المنبرالحر

الإمبراطورة / ابراهيم الخياط

الإِمبراطور كلمة لاتينية، جمعها أباطرة، وهذه الكلمة لقب ملكي يحمله للان حكام بعض الدول، مثل اليابان. وأول من تلقب به هم قادة الجيش الرومانيون المنتصرون في الحروب. والإمبراطورية هي الدولة الواسعة مترامية الحدود والأطراف، والتي تُخضِع شعوبا عدّة تحت لوائها الأسطوري. والأمثلة هي الإمبراطوريات الرومانية، الجرمانية، الفرنسية، البريطانية، الفارسية وكذلك الخلافتان العباسيّة والأموية اللتان تعتبران إمبراطوريتين عربيتين.
والإمبراطُوريّة أيضا مشتقة من اللاتينية وتعني السلطة أو القوة، وسياسياً تعني مجموعة كبيرة من الدول والأقاليم والشعوب التي يحكمها عاهل (إمبراطور).
وتقوم الإمبراطوريات عادة على مساحات جغرافية متصلة أو ما يُعبّر عنه بالفضاء المتصل كالإمبراطورية المغولية مثلا، أو تكون ضمن فضاء غير متصل وهو ما تميزت به الإمبراطوريات البحرية ذات البراري والجزر المنفصلة والمتناثرة عبر مساحات جغرافية متباعدة كالإمبراطورية البريطانية مثلا.
وقد توالت الإمبراطوريات على بغداد، بل طالما كانت تتمدد هذه الإمبراطوريات وتتوسع وتزحف ذات اليمين وذات الشمال، ولكنها تقف عند بغداد لتكون عاصمتها. فلا عين علت يوما أو تعلو على حاجب بغداد، وما سقطت بغداد يوما بل كانت الخلافات والأنظمة تسقط وتبقى بغداد محروسة. ففي عام 1258م سقطت الخلافة العباسية تحت سنابك خيول المغول، وعام 1917 سقطت الخلافة العثمانية تحت قنابر طوب أبو الخزامة الانكليزي، وعام 2003 سقطت الدولة الدكتاتورية العتية الجبارة تحت سرفات دبابتين أمريكيتين اثنتين فقط. وبغداد من قبل ومن بعد بقيت شامخة و»شايفة نفسها شوفة» وهي محقة أن تغتر بما تملك من أهل، وحتى أن البغددة أتت منها معنى للتدلل والتحضر والراقي من السلوك؛ فنظرة الأمصار إلى بغداد كانت دوما نظرة إعجاب!
وكانت بغداد أمنية الغزاة والمحتلين على مرّ العصور، ولكنها ما شاءت أن تكون عاصمة لأنها ترى نفسها إمبراطورية لوحدها. «فما من غاز في مشارق المعمورة ومغاربها لم تراوده نفسه باحتلال بغداد، لسبب هو ذاته الذي يجعلنا متعلقين بها».
بغداد لأنها مدينة يحلم بالاستحواذ عليها أباطرة الدنيا أجمعها، فهي لا تصلح البتة أن تكون عاصمة. انها أم العواصم وتاج الإمبراطوريات، قديمها وحديثها، وهي الإمبراطورة، وكما قال ابن زريق:
هيهات! بغداد الدنيا بأجمعها
عندي، وسكان بغداد هم الناس
وليس مهما مَن يفكر بها عاصمة، فهم كثر وخائبون، ولكن المهم بل الأهم بمن تفكر هي، بغداد؟ ولا أظنها تفكر بغير الشعراء، ولا أعتقد أنها تفضل عاهلا أو إمبراطورا على «أبو نؤاس»، ولا أراها تخاف على أمر مثل خوفها على النواسيّ أن يكفّ مداد شعره وتفرغ (كأس) شاعريته.