المنبرالحر

فضائية! / قيس قاسم العجرش

لست مع أي تقييد للعمل الإعلامي. الفضاء يجب أن يبقى حرّاً بصورة تقترب من الإطلاق.
فقط يمكن للموضوعية أن تكون قيداً على الإعلام، وهي هنا قيد مهني يضع المهنة في نصابها ويحول دون تحولها الى شيء آخر لا ينطبق عليه وصف(وسيلة إعلامية).
بالأمس بثت فضائية خبراً، وأصرت بضراوة على بثـّه، مفاده أن الحشد الشعبي في تكريت دخل في مواجهة مسلحة مع قوة عسكرية تابعة للوقف السني!
الطرفان المعنيان نفيا وقوع مثل هذه الحادثة، بل لم يحدث أي شيء يوحي بها.. يعني أن الموضوع لا يناسبه حتى توصيف المبالغة أو إساءة التعبير.. الموضوع منسوف من أساسه ولا صحة له.
ماذا يعني هذا؟
حتى نفهم المعنى خلف إيراد خبر مكذوب تماماً في وسيلة إعلامية، علينا أن نراجع سجلّ هذه الوسيلة في التورّط باداء كهذا.
قبل سنوات، كان الخبر الأول في نشرة أخبار هذه الوسيلة أن صحفياً عراقياً أعلن عن مقتل 11 شخصاً من عائلته في الموصل على أيدي قوات حكومية، لكن اتضح سريعاً أن الخبر ملفـّق وأن الصحفي المعني إنما صرّح بهذه الفرية من أجل التمتع باللجوء في إحدى الدول الغربية.
ليس غريباً أن يختلق صحفي كذبة مثل هذه وبهذا الحجم، لكن ما هو غريب وما هو (غير مهني) تماماً، هو أن تبث وسيلة إعلام كبرى هذا الخبر في مبتدأ نشرتها الإخبارية.
هذه الوسائل الإعلامية ستملأ الدنيا صراخاً لو أغلقت السلطات مكاتبها أو منعتها من العمل على الأرض. لكن سياستها الإعلامية المحرضة وذات الغرض المشبوه لا يمكن أن تواجه إلا في ساحات المحاكم وبناء على شكوى من المتضرر أو المُفترى عليه حصراً.
على صاحب الخبر الكاذب أن يتحمل النتائج والتبعات الماديّة التي تسبب بها إنحرافه عن مهنيته.
اذا أخطأ طبيب في عملية جراحية وتسبب الخطأ في موت المريض فعليه أن يتحمل أمام القضاء مسؤولية إهماله ولو اخطأ مهندس وانهارت عمارة نفذها على رؤوس الساكنين فالحال لن يختلف. فلماذا لا تتحمل الوسيلة الإعلامية نتائج كذبها المتعمّد أمام القضاء؟
التحدّي هنا يكمن في القضاء نفسه، وليس في المتضررين أو في الكاذبين.
فهل يستطيع القضاء أن يضطلع بدور كهذا مع الحفاظ على الحيادية وصيانة حرية التعبير وضمان ألا تتحول ساحاته الى مكان لإبتزاز الوسائل الإعلامية؟
قد يكون هذا مثالاً يظهر لنا أهمية القضاء النزيه فوق أي اعتبار .