المنبرالحر

قسمة فتيخان / مرتضى عبد الحميد

يحكى أن لصاً، يدعى «فتيخان» كان قد سمع من معلم المدرسة في قريته، عن أمير الصعاليك «عروة بن الورد» وبيته الشعري الشهير
أقسّمُ جسمي في جسوم كثيرة
وأحسو قراح الماء والماء باردُ
كما سمع في جلسة أخرى، عن «روبن هود» وكيف كان يسلب الأغنياء، ويوزع ما يحصل عليه من أموال وغنائم على الفقراء، فراقت لـ «فتيخان» الفكرة، وصمم في قرارة نفسه أن يطبقها، ليصبح بمستوى هؤلاء المشاهير.
لكن الطبع على ما يبدو غلب التطبع، ففي المرات الأولى كانت سرقاته صغيرة نسبياً، وقام بتوزيعها على أقربائه وأبناء قريته، ولكن عندما تمرس في هذه المهنة «الشريفة» وأصبحت غنائمه كبيرة، وغزاوته الليلية تدر عليه مالم يكن يحلم به، لم يستطيع مقاومة إغرائها ولم يهن عليه توزيعها، كما كان يفعل سابقاً، رغم الصراع الذي كان يعتمل في داخله، بيد أن الغلبة حسمت لصالح أنانيته وفكره المتخلف، فصار يحتفظ لنفسه، بحصة الأسد، ويوزع الباقي على الوجهاء والمتنفذين في القرية، ليضمن سكوتهم ويكونون عوناً له في الملمات، أو عندما تحين ساعة?الحساب والمساءلة. أما الآخرون ممن كانوا يحصلون على الفتات، فألغى وجودهم، وحذف أسماءهم من قاموسه!
في حياتنا السياسية شَبَهٌ لاتخطئه العين الفاحصة، بما فعله «فتيخان» مع الاعتراف ببراعة الممارسة.
إن لوماً شديداً وانتقادات كثيرة، وجهت للعديد من سياسيينا، وكتلهم المتنفذة بسبب استحواذهم على كل شيء، من خلال المحاصصة بأنواعها وتلاوينها القبيحة، أو بالتعبير المخادع الذي يسمونه «التوازن» إلا إن هذه الممارسة المشينة لا تخلو من «شيء ايجابي» علينا الاعتراف به شئنا ذلك أم أبينا، هو أن هؤلاء الإخوة، أمناء جداً للتراث وخاصة في جانبه السيء! ولذلك راحوا يقلدون «فتيخان» في قسمته، ولم تسلم منهم، حتى رئاسات الهيئات المستقلة، رغم أن اسمها «مستقلة» وهذه مفارقة أخرى تضاف إلى سجل المفارقات السوداء، فكانت حصة التحالف الو?ني منها (10) فقط، ولاتحاد القوى (6) وللتحالف الكردستاني (5)، وتنطبق هذه القسمة الضيزى على رئاسات اللجان النيابية، الأمر الذي حدا برئيس مجلس النواب، ورؤساء الكتل المتنفذة إلى تقليص فترة رئاسة هذه اللجان إلى سنتين، بدلاً من أربع، نتيجة التهالك على المسؤوليات، لا حباً بالشعب، وإنما لغاية في نفوسهم يعرفها الجميع. كما تنطبق ايضاً على عضوية كل هذه اللجان وغيرها مئات وآلاف المناصب والدرجات الخاصة.
لقد حولوا المحاصصة إلى صنم، يعبدونه ولا يستطيعون التخلي عنه، لكنهم يتخلون عن آلاف الكفاءات المهنية والوطنية، وعن حاملي لواء النزاهة وعاشقي الشعب والوطن.
أنها محنة مابعدها محنة، عندما يصر البعض على إجهاض أمل الناس بالتغيير، ويسعى لاعادة الأمور إلى مربعها الأول.