المنبرالحر

دولة الكانتونات / قاسم السنجري

واجه العراقيون محاولات الانفراد بالقرار في حقبة المالكي، وما انتجته من تداعيات عصفت بالبلاد سياسيا وأمنيا واقتصاديا، ودفعت العملية السياسية إلى شفا الانهيار، حتى فقدنا اكثر من ثلث البلاد ليقع بيد عدو متخلف همجي ظلامي. وهذا ناتج عن محاولات لاحتكار القرار وعدم الاستماع للشركاء، والاطاحة بمؤسسات الدولة، وتحويل الاختلاف في وجهات النظر السياسية إلى خلافات شخصية ترافقها ماكينة اعلامية تهدف إلى التسقيط الشخصي.
إن التعامل السياسي هو تراكم للخبرات في حل المشكلات، والقدرة على إدارة الاختلافات للوصول إلى حلول وسط ترضي الجميع. حيث أنه في وضع العراق الحالي لا يمكن لشخص أو حزب أن ينفرد بالسلطة، أو يوقع بمنافسيه للتخلص منهم بأي طريقة كانت. بل يجب تغليب المصلحة الوطنية على المصلحة الحزبية والشخصية، وعدم التعامل مع بناء الدولة ومؤسساتها على أنها مؤسسات خاصة لهذا الحزب أو ذاك. فالاعراف السياسية لا تشخصن الاختلافات في وجهات النظر، وبحسب المنطق السياسي فالخصوم السياسيون هم منافسون يمتلكون برنامجاً لإدارة الدولة قد يختلف عن برامج الاحزاب الأخرى، وهنا يكمن التنافس بين الاحزاب من خلال طرح البرامج لا بالاطاحة بالمنافسين.
غير أن هناك في المشهد السياسي العراقي، الكثير من الشخصيات السياسية التي ترى في الانتقادات الجادة أنها تنطلق من أسباب شخصية، فيما هي تهدف إلى التقويم والإصلاح والتنبيه من خطر محدق قد يقع فيه هذا السياسي أو ذاك أو من وصل إلى السلطة عبر الآلية الديمقراطية. وليس غريباً أن تنتقد الاحزاب المعنية بالديمقراطية أي فعل قد يربك العملية الديمقراطية، أو يحاول الاطاحة بها والانفراد بالقرار والسلطة.
العملية السياسية في العراق من أهم الخواص التي بُنيت على اساسها؛ صندوق الانتخابات والمشاركة بالقرار. وبالرغم من محاولات القوى المتنفذة إنتاج قوانين تخدم مصالحها الانتخابية، إلاّ ان القوى الوطنية تكافح لتعديل هذه القوانين التي فرضت تحت قبة البرلمان. وفيما يخص المشاركة في القرار فقد عشنا في حقبة المالكي محاولة للتفرد بالقرار وحزبنة مؤسسات الدولة المستقلة بتعيين رؤساء هذه المؤسسات والهيئات المستقلة بالوكالة على حساب الكفاءة والنزاهة.
مما يقلق في مرحلة السيد العبادي، أن هناك توجهاً مشابهاً للتوجه السابق نحو ابقاء هذه الهيئات تعمل بمدراء لم يمنحوا الثقة البرلمانية. وإن استمر العمل بهذا النهج فقد يتفاقم الأمر لنصل إلى مؤسسات غير قادرة على الحفاظ على استقلاليتها. فضلاً عن وجود نوايا لتقاسم هذه الهيئات وفق مبدأ «التوازن» الطائفي الذي سيؤدي إلى تأبيد المحاصصة الطائفية وجعلها أمراً واقعاً لا يمكن الفكاك منه، بل وقد يؤدي بنا الأمر إلى دولة «الكانتونات».