المنبرالحر

كلما اتسعت المأساة....تلاشى الحلم / ئاشتي

"1"
كم من مرة حاولتَ أن تمسكَ الضوءَ بيدك، ولكن شقوق الأصابع تخونك في الإمساك به، أو هكذا تبدأ دورة أيامك بين رغبة وحلم وفقدان ويأس، مع هذا تستمر محاولاتك من أجل أن لا يتسرب الموت إلى خلاياك، وربما تخدع نفسك كي لا تقع في دائرة ما يسمى الإحباط والنكوص، ولكن هل هناك أكثر من هذا إحباطا ونكوصا؟ تستفز جنونك الأخبار اليومية، أخبار الحكام والاختلاس والفساد والتدهور والجوع والقتل المجاني والأزمات المتلاحقة والمجازر ومجلس نواب يتحول إلى منبر وعض ديني وعطل المناسبات التي تحتاج إلى أكثر من 365 يوم في السنة الكبيسة، ومع كل هذا تحاول أن تمسك الضوء بيدك؟ قد يكون للجنون أكثر من صيغة للتعبير عن تخرصاته، ولكن في مثل حالتك يكون الجنون تعبيرا مكثفا عن حالة اللامعنى.
"2"
للسنوات في جذوع الأشجار دوائر تقاس من خلالها عمر الشجرة وربما مستوى تغذيتها في تلك السنوات وطبيعة المناخ أو ما تسمى بـ حلقات النمو، ومن دون ريب تحديد العمر للكائن البشري أسهل بكثير حيث يسجل تأريخ ميلاده في دائرة النفوس مثلما تأريخ وفاته، ولكن لا أحد يعرف حقا كم هي الأيام التي عاشها العراقي في حياته، قد تتذكر تلك القصة التي زار بها صديق لصديقه في مدينة ما وحين ذهبا إلى مقبرة المدينة رأي الصديق الضيف على شواهد القبور سنوات العمر بالأيام وبالأشهر في أحسن الأحوال، وحين سأل صديقه لماذا هكذا الناس يموتون عندكم بعمر صغير، أجابه الصديق هذه الزمن الذي عاشوا فيه بشكل جيد، ترى كم من الدقائق سوف تكتب على شواهد قبور العراقيين؟؟
"3"
بعد يومين سيكون العام الثاني عشر قد أكتمل على انقضاء عهد دكتاتورية أغرقت العراق بحروب أنهكت كل شيء، ولكن بعد يومين سيكون علينا أن نعرف من أن الحروب لم تتوقف طيلة هذه الأثني عشر عاما التي مرت على عراقنا. والسؤال الذي يأكل الروح، ما لذي جاء به التغيير؟ وما فعل المحتل بعراقنا غير أنه زاد الخراب خرابا؟.
"4"
كلما اتسعت المأساة تلاشى الحلم، وهذا الأخير هو الذي بقى للعراقيين ولكنه أيضا بدأ بالتلاشي، لقد اتسعت مأساة العراقيين، فقد سجل الإحصاء الأخير من أن عدد النازحين تجاوز الـ ثلاثة ملايين نازح عراقي، نازحون في وطنهم لأن الوطن أصبح فقط خطوط حمراء على الورق.
"5"
هل تراني أكون في موضع الشاعر الياباني تاكو بوكو وهو يقول؟
(الأيام التي تبدو لي فيها وجوه مواطنيَّ
صعبة الاحتمال،
أنطوي إلى داخل البيت)