المنبرالحر

الواقع العراقي وأهمية نشر البيان الشيوعي / ماجد الياسري

واجهت شغيلة اليد و الفكر في العراق و مايزيد عن القرن اضطهادا مباشرا، نتيجة سياسات إرهاب الدولة التي تتصدى دائماً و أبدا لمن يتوقون في العراق الى الحرية و المساواة و العدالة الاجتماعية خاصة ممن انخرطوا في النضال من أجل بناء عراق حر ديمقراطي مرفه . وأخذت منهم مأخذا هراوات الشرطة وغياهب السجون و لم تثنهم عن عزمهم بل إزدادوا إصرارا على الإلتصاق بحزبهم الشيوعي والمشاركة في نضالاته ورفع رايته عاليا . أما اليوم هناك ظرف عراقي خاص في غاية التعقيد، حيث تواجه شغيلة اليد و الفكر و الكادحين ثلاثة تحديات كبيرة.
الاولى تداعيات إنهيار النظام الاشتراكي الذي ولد فراغا فكريا عميقا و إحباطات كبيرة خاصة بين أوساط الذين فاتهم أو تغافلوا عن النواقص الكبيرة التى عانى منها النموذج السوفيتي في بناء الاشتراكية خاصة في صعود الفئات الحزبية المنتفعة في التنظيم الحزبي و التي تعني تلقائيا مناصب وإمتيازات حكومية ووظيفية، كنتيجة طبيعية للتخلي عن نهج الديمقراطية و سياقات وضع الرفيق المناسب في المكان المناسب على صعيد تطوير الكادر الحزبي و الوظيفي فكريا و تنظيميا و التي تشكل العمود الفقري في السياسة التنظيمية لبناء و تقديم الكادر والذين سرعان ماتركوا مواقعهم في الدولة و الحزب و المشروع الاشتراكي بعد فشل سياسات غورباتشوف في إعادة البناء ، حفاظا على مصالحهم و إمتيازاتهم المالية بل و أصبح العديد منهم أوليغاركية النظام الجديد الذي أعقب الانهيار .
هذا الحدث الذي كانت أحد سلبياته على الحركة الشيوعية العربية التنكر للدروس و الخبر الكبيرة للحركة الشيوعية العالمية والتجارب الكثيرة التي سبقت ورافقت الثورة الاشتراكية الاولى الظافرة و منها التراث الماركسي لقادة الحركة الشيوعية الروسية و العالمية فنشهد مثلا أن المصادر و المعارف التي يعتمدها المثقفون " اللاعضويون " هي المؤلفات التي تندد بالفكر الماركسي خاصة على صعيد الممارسة و التنظيم و تشيد بقدرات الرأسمالية و الديمقراطية الليبرالية و الدليل هو في جرد المصادر المعتمدة من قبلهم في الدراسات المنشورة . و تقلصت تقاليد القراءة و إقتناء الكتاب و التثقيف الذاتي اليومي و إغناء المعارف الفكرية بالتصاق الغالبية العظمى بالفضائيات التي تلقن الثرثرة السياسية المصطنعة الزائفة مقابل الجدل السياسي الحقيقي المعتمد على المعارف النظرية و العملية .
في الطريق السلمي البرلماني يتحقق النجاح الحقيقي بالقدرة على إنحياز أفئدة وعقول الشغيلة و الكادحين الى الخيار الاشتراكي الذي يمثل الديمقراطية الحقيقية . ولايمكن أن يتحقق ذلك بدون إمتلاك ناصية المعرفة السياسية الماركسية و الاشتراكية و الانفتاح على الفكر اليساري و تشجيع روح النقد الموضوعي للوصول الى أفضل القرارات وأفضل الطرق لتحقيق نجاحات ملموسة وواقعية في الانتخابات القادمة و الاستفادة من تجربة اليسار في أوروبا و أمريكا اللاتينية وعيها على الواقع العراقي.
التحدي الثاني هو إحتلال العراق من قبل التحالف الذي قادته أمريكا و حطمت الكيان العراقي و ما يقارب تسعين عاما من التطور الطبيعي الاجتماعي الاقتصادي والبناء الداخلي و النسيج الاجتماعي، وبدلا منه أقامت كيانا زائفا على أساس وصفة جاهزة مصدرها دور الأبحاث ويروج لها عراقيا، تعتمد تفتيت المجتمع العراقي الى طوائف ومكونات معتمدا على وثيقة دستورية مليئة بالألغام ورئاسات ثلاث عاجزة عضويا عن الأداء و عملية سياسية تنخرها الطائفية و الأزمات و الصراعات اللامبدئية و اقتصادا في خدمة المافيات و اللصوص و الحيتان و مهربي الدولارات الى الخارج و الذي ضاعف منه إحتلال الفاشية الاسلاموية الداعشية و امتدادها في العمق العراقيً و ارتكابها جرائم تفوق التي قامت بها الفاشية النازية وفرضت في المناطق التي تحت سيطرتها نظامها الاسلامي الشمولي .
هذه الخطيئة الاكبر التي كانت نتيجة موضوعية للإحتلال و المحاصصة وعجز النخب الحزبية المتسلطة عن مواجهة التحديات في المشهد العراقي بعد السقوط وبناء دولة عراقية ناجحة فيما هي منشغلة بتقاسم الغنائم السياسية و المادية من أموال وعقارات دولة.
التحدي الثالث هو التصعيد الطائفي حيث لا يمكن إنكار وجود بذور وممارسات طائفية سادت في العهد الملكي و الحكومات التي جاءت بعد انقلاب شباط 1963 ألا أنها و بفعل الأحزاب الدينية ومن المذهبين الشيعي و السني تحولت الى إيديولوجيا لإعادة بناء الدولة و المجتمع العراقي بعد 2003. وكان الاختبار الحقيقي لها الفشل الذريع لإعادة بناء المؤسسات العسكرية على أسس بعيدة عن المحاصصة الطائفية والتوازن المقيت و التي وصلت الى منح الرتب الفلكية الكبيرة بالمئات للفاشلين و أصحاب الكروش وتقاسم مئات المليارات التي صرفت على التسليح، وأنتهت الى حسابات مصرفية خاصة في الخليج واوروبا .
ولم يكن غريبا أن ينهار في أول مواجهة حقيقية في 10 حزيران 2014 وتهرب قياداته العالية و الوسطية بسب غياب عقيدة وطنية عراقية توحد الجيش أو في إعتماد الكفاءات و المهنية في إختيار القادة و التدريب . الحديث في بناء المؤسسات العسكرية.
وبسبب سياسات التمييز و الاجتثاث و التجييش الطائفي تشوهت العملية السياسية في العراق التي قدمت الهويات الفرعية على المشروع الوطني العراقي و تهميش المواطن سياسيا و اقتصاديا و إجتماعيا وروحيا، و سيادة سايكولوجية الاستلاب (الالينة)بتوجه للامنيات من أجل الخلاص في بلد يعد من أغنى بلاد العالم تاريخا و موارد و كفاءات . فأضطر العقل و الكفاءة المهنية العراقية الى الهجرة القسرية و أصبحت تقود مؤسسات علمية وثقافية في العشرات من البلدان العربية و الأجنبية . أما في الداخل ، فيعيش خريجو الجامعات العراقية وحملة الشهادات العليا واقع البطالة و الإملاق و الفاقة و أرتفع الفقر الى أعلى معدلاته و مستوياته ووصوله الى حد الثلث من السكان الى جانب مايزيد على مليون أرملة و مطلقة نتيجة إضطهاد المرأة والتمييز ضدها ومحاولة فرض تشريعات تعود بالواقع الاجتماعي الى مئات السنين الى الوراء و تشرعن الإغتصاب و إنتهاك حق الطفولة و لا ننسى الآلاف من العراقيات اللواتي يعملن كالجواري والحريم تحت قبضة النظام الشمولي الإسلاموي الداعشي. بينما تعيش أقلية برجوازية طفيلية مصدر قوتها سرية التريليون دولار من موارد العراق و النفط بالأساس ، وتهريب النقد العراقي الى دول الجوار بحماية أجهزة رسمية ومن المليشيات المسلحة التي تشكل منظمات إرهابية مستقبلية في طور الإستحالة ، تعيش في بذخ أسطوري وتحت تصرفها حسابات مصرفية خارجية بالمليارات سرقت من حقوق شرعية للمواطن العراقي المهضوم الحقوق .
هذا هو الواقع العراقي والذي مضمونا اذا نزعنا عنه تاثيرات العولمة و الإنجازات العلمية العصرية من النواحي الاقتصادية و الاجتماعية النظام الاقتصادي الاجتماعي الذي ساد في فترة انتشار الفكر الاشتراكي في أوروبا بينما كان العراق ينوء تحت سيطرة الحكم العثماني .
ان خارطة الطريق التي يجب ان ينتهجها المحرومون و المهضومة حقوقهم في العراق هي في جوهرها تلك التي رسمها عمالقة الفكر الاشتراكي ماركس وانجاز قبل مايزيد عن قرن و نصف. فالحقوق تنتزع ولاتمنح. ومع التاكيد على الفوارق الخاصة بالشان العراقي و التطورات على الصعيد العالمي. ألا أن الأسس هي ذاتها في الحاجة الى إمتلاك ناصية التنظيم و الدعاية و التحريض وخوض غمار نشاط فكري ديناميكي فاعل لرسم الشعارات الصائبة و الصحيحة المنسجمة مع الوضع العراقي خاصة إستخدام الطريق البرلماني السلمي وصولا الى رئاسات ثلاث فاعلة تضع حقوق المواطن العراقي كمكون واحد بديل عن الهويات الفرعية و السياسات الطائفية وتعمل من اجل عراق اتحادي حر سعيد و مرفه.
املي ان تقوم طريق الشعب بإصدار ملحق خاص يحوي البيان الشيوعي الذي صدر في حزيران 1847 ، كهدية للعراقيين المناضلين من إجل حقوقهم اليوم الآنية ومستقبل عوائلهم وأطفالهم.
فالبيان يحمل رسائل عدة: الاولى في علو الإنسانية وحق المواطن في جميع انحاء العالم في الحرية و الرفاه.
والثانية الروح الإقتحامية التي يشيعها في ان الحقوق تنتزع عبر إتخاذ جميع أشكال النضال ومنها السلمي البرلماني.
والثالثة أهمية التنظيم الحزبي الديمقراطي بإعتباره الخط الواصل بين النظرية و الممارسة.