المنبرالحر

أحزاب اليمين الأوربي والزعامة الأمريكية / لطفي حاتم

ــ تشابك مستويات الاقتصاد العالمي الدولية / الاقليمية /الوطنية الناتجة عن السيادة العالمية لنمط الانتاج الرأسمالي يثير الكثير من الاشكالات الاقتصادية / السياسية / الفكرية منها طبيعة التناقضات المتحكمة في مسار حركة رأس المال الكونية ومنها استراتيجيات دول الكولونيالية الجديدة ازاء الدول الرأسمالية الناهضة ومنها مضامين وأشكال المنافسة الرأسمالية بين الدول السائدة عالميا ومنها مخاطر النزاعات الدولية على الامن الدولي ، وآخرها تغيرات الفكر السياسي في توجهات الحركات الاجتماعية وبرامج الاحزاب السياسية .
ـ تناقضات وحدة الاقتصاد العالمي تتجلى في تعارض نزعات الرأسمال الأمريكي الأممية مع النزعات القومية لدول الرأسمالية الناهضة من جانب ونهوض قوى اجتماعية متناقضة ديمقراطية تدافع عن مصالح بلادها الوطنية وأخرى يمينية متطرفة من جانب آخر .
بسبب كثرة التغيرات التي افرزها الطور المعاصر من العولمة الرأسمالية ولغرض حصر السجال الفكري في تخوم التغيرات الفكرية الناتجة عن محاولة تأكيد الزعامة الامريكية للعالم نعمد الى دراسة محورين أساسيين اولهما ـ النزعة الاممية للرأسمال الامريكي ، ثانيهما تنامي النزعتين الوطنية / القومية في البلدان الرأسمالية القديمة منها والناهضة .
اولا ــ النزعة الاممية للرأسمال الامريكي
أ ـ وحدانية الزعامة الامريكية
ــ افضت تفكك ازدواجية خيار التطور الاجتماعي رأسمالي / اشتراكي وسيادة اسلوب الانتاج الرأسمالي طريقا وحيدا للتطور الاقتصادي والاجتماعي الى تنامي وتطور المنافسة الرأسمالية بين دول الكولونيالية الجديدة وبين الدول الرأسمالية الناهضة .
ــ وبذات المنحى عجلت السيادة الدولية لاسلوب الانتاج الرأسمالي من قدرة التحالف الاطلسي بعد انتقاله من العقيدة الدفاعية الى العقيدة الهجومية وما نتج عن ذلك من تدخلات عسكرية واقتصادية أطلسية لغرض الدفاع عن المصالح الاستراتيجية لدول الكولونيالية الجديدة.
ــ افضت نزعة الناتو التدخلية الى تأكيد الزعامة الامريكية على الدول الفاعلة في النظام الرأسمالي العالمي فضلا عن قيادتها ـ الولايات المتحدة الامريكية ـ للدول الأوربية الجديدة بعد تفكك حلف وارشو .
ــ الزعامة العسكرية الامريكية للدول الكولونيالية الجديدة تلازمت وميول الاندماج بين الشركات الدولية الكبرى الناتجة عن قانون الاستقطاب الرأسمالي الناظم للطور الجديد من العولمة الرأسمالية.
ـــ هيمنة الرأسمال الأمريكي البنكي المتحالف مع مجمع الصناعات العسكرية والخدمية افضت الى زيادة قدرة الولايات المتحدة على استقطاب رؤوس الاموال الدولية الامر الذي أدى الى تشابكها مع الرأسمال الامريكي وما نتج عن ذلك من تحالفات بين النخب المالية الأمريكية مع النخب المالية في البلدان المختلفة الامر الذي من انتقال الطبقة البرجوازية وفصائلها المالية من الضفاف الوطنية الى ضفاف أممية .
ـ العوامل المشار اليها افرزت سياسة امريكية تدخلية في الشؤون الداخلية للدول الوطنية وما نتج عن ذلك من تعارض بين مصالح دول الكولونيالية الجديدة مع الدول الرأسمالية الناهضة وبالتحديد منها مجموعة دول بريكس .
ب ـ أزمة الزعامة الامريكية
شكلت الاحتجاجات الشعبية في البلدان العربية ناهيك عن الازمة الاوكرانية قضايا مفصلية في تنامي أزمة الزعامة الامريكية للعالم وذلك لكثرة من الاسباب أهمها ــ
ــ الروح العسكرية التدخلية في النزاعات الوطنية باعتبارها ايديولوجية ناظمة لتأكيد زعامة الولايات المتحدة الامريكية العالمية .
ــ تحول الازمة الاوكرانية الى ازمة دولية مضمونها النزاع بين إدامة الهيمنة الامريكية وزعامتها للعالم وبين بناء عالم جديد متعدد الاقطاب يستند الى القانون الدولي وموازنة المصالح الدولية / الوطنية .
ــ تتحدد الازمة الاوكرانية بكونها نزاعاً بين ثلاثة اطراف دولية اولهما الولايات المتحدة الامريكية التي تهدف الى تحقيق اهداف جيوـ استراتيجية يتقدمها كبح تطور روسيا الرأسمالية وعرقلة تحولها الى قطب في السياسية الدولية. وثانيهما الاتحاد الاوربي الذي يسعى الى الحفاظ على بناء وحدته الاقتصادية وترسيخ ممهدات انتقاله الى اتحاد سياسي قاري تشكل المانيا وفرنسا قاطرتيه الاقتصادية ـ السياسية .ثالثهما الاتحاد الروسي الذي يسعى الى بناء شراكة أورو اسيوية تساعد على بناء استقلالية القرار الاوربي بهدف تمهيد الطريق أمام تفكك الهيمنة الأمريكية .
أخيرا لابد من التأكيد على أن النزاع الدائر في الاراضي الاوربية يترافق وتناقض المواقف الأمريكية / الأوربية المناهضة لروسيا الفدرالية والهادفة الى انهاك اقتصادها الوطني وإبعادها عن التأثير في السياسة الدولية .
ثانيا ـ تنامي النزعة القومية في البلدان الرأسمالية الناهضة
ــ على الرغم من انحسار النزاعات الايديولوجية وتراجع فكر اليسار الاشتراكي إلا أن الطور الجديد من التوسع الرأسمالي انتج الكثير من الحركات الاجتماعية المعاصرة ، منها حركات اجتماعية تشدها الروح الوطنية ومنها تيارات ليبرالية ، ومنها انبعاث أشكال جديدة من الحركات الاجتماعية اليمينية المتطرفة فضلا عن تنامي الحركات الارهابية المسترشدة بأفكار سلفية وانتشار مخاطرها على الحياة السياسية .
ـ انطلاقا من تلك الحركات الاجتماعية وتوجهاتها السياسية نحاول التعرض الى التغيرات الفكرية التي طرأت على مفهومي القومية والوطنية.
ــ ارتبط تطور النزعة القومية في البلدان الرأسمالية الناهضة خاصة اوربا الشرقية منها بقوة وضعف الطبقة البرجوازية الوطنية بعد تحول اقتصادها المركزي الى اقتصاد السوق الحرة وبهذا المعنى نشير الى ان طموح الطبقة البرجوازية المتمثل باحتكارها القرارين السياسي والاقتصادي قد مر بمرحلتين تاريخيتين الاولى منهما تميزت بترابط البرجوازية الناهضة مع حركة الرأسمال الامريكي وذلك بسبب ضعفها البنيوي وما نتج عن ذلك من انحسار مشاعرها القومية . اما المرحلة الثانية من هيمنتها السياسية فقد اتسمت بتنامي النزعات القومية لدى الطبقة البرجوازية بهدف تطوير سيطرتها الاقتصادية لصالح تطورها كطبقة اجتماعية تتمتع بالسيادة على القرارات الاقتصادية والسياسية في بلادها.
ــ تنامي مفهومي الوطنية / القومية في البلدان الرأسمالية الجديدة تزامن ونهوض اليمين الأوربي الذي حركت فاعليته السياسية شعارات استقلالية الدولة القومية وصيانتها بديلا عن الاندماج الدولي بزعامة امريكية . بكلام آخر أصبحت شعارات اليمين الأوربي ذات الروح (الوطنية) الرافضة لنزعة الاندماج بحركة راس المال الدولية مرشدا لكفاح الكثير من احزاب اليمين التقليدية .
السمات الفكرية لتياري اليمين الاوربي
ــ أنعش الطور الرأسمالي المعولم الكثير من الاحزاب اليمينية التقليدية والمتطرفة التي شكلت امتداداً تاريخيا لأحزاب يمينية سابقة متجاوبة وروح عنصرية / فاشية حملها الرأسمال الوطني الأوربي الهادف الى الهيمنة الدولية من خلال المنافسة الرأسمالية المستندة الى القوة العسكرية .
ــ يتشارك تياري اليمين الاوربي بالكثير من الأفكار والنهوج السياسية أهمها الكراهية ، العنصرية ومعاداة الأجانب إلا ان طرفي اليمين الاوربي بشكلهما المعاصر يختلفان ويتعارضان فكريا عند تناولهما لمفهومي القومية والوطنية .
لتقدير شرعية الموضوعة المشار اليها نعمد الى دراسة السمات الفكرية لتياري اليمين التقليدي منها والمتطرف.
ــ تتركز أنشطة حزب الجبهة الوطنية حول اعادة بناء الدولة الفرنسية القومية عبر خروجها من الاتحاد الأوروبي وبذات الاتجاه يكافح حزب استقلال المملكة المتحدة اليميني للخروج من الاتحاد الاوربي وتأكيد استقلالية بريطانيا.
ـ بسبب روحه الاندماجية وضعف مساندته للشركات الرأسمالية الوطنية تتجاوب فعالية اليمين المتطرف السياسية مع النزعة الاممية التي يحملها الرأسمال الامريكي بعكس فكر اليمين التقليدي الهادف الى فك الارتباط مع الهيمنة الأمريكية.
ــ الفكر السياسي لأحزاب اليمين المتطرف في اوربا يتميز بروح عسكرية ونزعة فاشية مترابطة وانهيار القيم الوطنية ـ القومية وما يعنيه ذلك من اغتراب حركتهم السياسية عن المصالح الأساسية للرأسمال الوطني التي ميزت نشاطه ـ اليمين المتطرف ـ في الحقب التاريخية المنصرمة (* )
ــ النزعات القومية لدى اليمين الاوربي التقليدي الهادفة الى استقلالية الدولة الوطنية والرافضة للاندماج بزعامة أمريكية تتلاقى مع النزعات القومية والوطنية في الدول الرأسمالية الناهضة حيث يلاقي مفهوم الوطنية الروسية التي تسعى النخب الروسية لبنائه تعاطفا من اليمين الفرنسي .
ــ يتأتى مفهوم الوطنية الروسية من محاولة النخب الروسية بناء مرجعية وطنية قادرة على شد المكونات الطبقية لتشكيلتها الاجتماعية الروسية وتوطيد وحدة وتنوع بنائها القومي من خلال تغليف سيطرة القومية الروسية بأغلفة وطنية . بكلام آخر تسعى الطبقة البرجوازية الروسية بالتعاون مع شركائها الطبقيين في القوميات الاخرى الى بناء هوية وطنية عابرة للقومية متزامنة مع تشديد الترابط بين الشركات الوطنية ومؤسسات الدولة الاقتصادية .
ــ ان تجاوب النزعة القومية في اوربا مع النزعات الوطنية في دول الرأسمالية الناهضة مثل الصين والهند وروسيا تنبع من رفض الزعامة الأمريكية الكابحة لتطور الاقتصادات الوطنية وتنوع وتفاعل الثقافات الانسانية المتعددة  وبهذا المعنى فان تلاقي النزعتين القومية والوطنية المطالبتين بتعزيز الاستقلال وتطوير الدولة الوطنية يفضي الى نشوء حركات اجتماعية مناهضة لوحدانية الزعامة الامريكية.
ــ تتعارض نزعة الاستقلال وتقوية الدول الوطنية وميول فكرية لدى اليمين الليبرالي في الدول الرأسمالية الناهضة أهمها الدعوة الى الاندماج في الاتحاد الاوربي والتخلي عن بناء دولته الوطنية المستقلة . فضلا عن مساعي اليمين المتطرف الهادفة الى الاندماج في البنية الاطلسية لحمايتها من عدوان عسكري مفترض . ( * * )
أخيرا لابد من الاشارة الى ان فكر اليمين المتطرف الأوربي الرافض للروح الوطنية يتجاوب وتراجع مفهوم الوطنية في بعض الدول العربية الناتج عن تفكك بنائها الطبقي وانتشار الفكر السلفي الهادف الى بناء امبراطورية اسلامية اممية .