المنبرالحر

سفير للفن والتراث.. اختيار في غير محله ! / طه رشيد

فوجئتُ قبل يومين باختيار الأمم المتحدة أحد الوجوه «الثقافية» للنظام السابق في العراق سفيرا لها للحفاظ على التراث الثقافي والفني!
انا لا اعترض بالطبع على تسنم بعثي سابق منصبا ذا طبيعة عامة، ما دام (هذا البعثي) حسن السيرة والطوية ولم يؤذ احدا في حياته. والكل يعلم ان مؤسساتنا الحكومية تعج اليوم بالكوادر البعثية التي تشغل مختلف الدرجات الوظيفية.
لكن الامر يختلف حين يتعلق الامر بشخص «يرصع» صفحته عديد من النقاط السوداء. فقد كان في مطلع السبعينات رئيسا لـ « الاتحاد الوطني لطلبة العراق» في معهد الفنون الجميلة ببغداد، وهذا الاتحاد منظمة لا يجهل احد مهماتها القمعية وادوارها المشينة آنذاك في محاربة الطلبة غير البعثيين والتنكيل بهم. وفي حادثة معروفة تسبب هذا (الشخص) يومذاك في طرد طلاب وطالبات من المعهد. لماذا؟ لان واحدة منهم مثلا (هي الطالبة نضال عبد الكريم التي تعيش حاليا في السويد) ردت يوما على المدرس عندما تعرض لسيرة مؤسس الحزب الشيوعي العراقي يوسف سلمان يوسف (فهد) قائلة له ان معلوماته غير دقيقة، وطلبت منه السماح لها بتوضيح الامر. فنهرها، ثم رفض اعتذارها حين ارادت لاحقا الاعتذار منه.
وفي حينه لم تتردد عصابة «الاتحاد» التي كان يقودها (الشخص) اياه عن دعوة نضال عبد الكريم وتهديدها والطلب من الإدارة بفصلها فورا لمدة سنة كاملة. وقد حدث ان غابت نضال عن الدرس الثاني، فارتاب بعض زملائها في الامر وطالبوا باعادتها إلى الدرس في الحال والتراجع عن نية فصلها. فما كان من «الاتحاد الوطني» جدا بقيادة صاحبنا إلا الاقدام على تنفيذ قرار فصلها مع زملاء آخرين اتذكر منهم الآن كلا من قاسم حسن وسمير خلف وحمزة البصري.
وجاء ذلك الاجراء الظالم نتيجة الموقف المتعنت المستهتر لهذا (الشخص) الذي يُعلن اليوم ان الامم المتحدة اختارته «سفيرا ثقافيا» لها! علما انه شغل في السنوات اللاحقة مواقع متميزة في الماكنة الدعائية و»الثقافية» للنظام الدكتاتوري المقبور، بعضها (حتى سنة 1994) في دار الاذاعة، وغيرها (في التسعينات) كأمين سر لنقابة الفنانين ونائب لنقيب الفنانين. كذلك اختاره النظام المباد مديرا لمهرجان بابل الدولي (1992-1994) وعضوا في لجنة فحص واجازة العروض الفنية.
هذه المناصب جميعا لم يكن بمستطاع أي شخص الوصول اليها ما لم يكن عينا مفتوحة للنظام، وسوطا جاهزا لضرب خصومه وملاحقة من يخالفونه الرأي.
ويصعب هنا نسيان موقف آخر غير مشرف لهذا (الشخص) في ثمانينيات القرن الماضي، حين قام بالاعتداء المستنكر على المسرحي ذي الخلق الرفيع وأستاذ العديد من الأجيال، الراحل بهنام ميخائيل!
ولا بد من الاشارة ايضا الى ان هذا (الشخص) لم يعتذر حتى اليوم من الشعب عما قدم للنظام المباد من خدمات، ولا حتى لزملائه السابقين عما سبب لهم من أذى! ولم يسمع احد منه ما يدين ذلك النظام أو يدين الارهاب والجرائم التي تقترف يوميأ بحق العراقيين الأبرياء!
وتبقى الاسئلة المحيّرة: كيف تسنى للأمم المتحدة أن تختار شخصا ذا سيرة كهذه، لتمنحه درجة سفير في الفنون والتراث؟ من ياترى رشحه لها وخدعها به؟ وهل خلت الساحة العراقية من المبدعين الاصلاء النظيفين سواء في الداخل ام في الخارج؟ واين هو دور سفاراتنا في الخارج؟ ودور وزارة خارجيتنا التي يفترض أن تتصل بالمنظمة العالمية وتعرفها بفنانينا الذي يستحقون أن يكلفوا بمهمات رفيعة كهذه؟