المنبرالحر

من يمسك غربال المناصب؟! / علي علي

بنظرة سريعة الى النكبات والانتكاسات والمنزلقات الخطيرة التي انزلق في وحلها العراق بعد سنين الانعتاق من كبول الدكتاتورية عام 2003، نرى أن أغلبها -إن لم يكن جميعها- قد حدثت بسبب اشخاص عراقيين معينين، تسنموا منصبا مرموقا في قيادة ركن من أركان البلد، سواء على الصعيد المدني او العسكري. والأمثلة على هذا تعج بها ساحة المؤسسات المكتظة بالفاسدين والمفسدين والخائنين والمتواطئين، وإن اختلف اثنان في هذا فمن المؤكد أن أحدهما فاسد لامحالة.
والغريب أن هؤلاء لم يأتوا (من زرف الحايط) ولم تأت بهم حكومات غير الحكومات العراقية المنتخبة، وقطعا كان انتقاؤهم وفق ضوابط ومؤهلات وامتيازات مدروسة ومحسوبة، ومن المفترض أن تؤخذ بنظر الاعتبار فيها مستوايات أدائهم ليس في الظروف الطبيعية فحسب، بل في الظروف الطارئة والاستثنائية والقسرية التي قد يمر بها البلد، حيث لاينفع مسؤول يتقن عمله خلف مكتبه فقط، اوقائد عسكري يجيد ارتداء بزته العسكرية بقيافة منضبطة في (ساحة العرضات) ولايجيد فنون القتال والقيادة في سوح الوغى، او في المنازلات الحقيقية عندما تكون (الطاوة حارة)..!
يروى أن شخصا كان يدعي ممارسة رياضة الطفر العريض بمهارة منقطعة النظير، وأن بإمكانه طفر مسافة عشرين مترا من دون أن يجهد نفسه، وقطعا مسافة كهذه لايحققها حتى أمهر المخلوقات بالوثوب والقفز. ولما ضاق الناس ذرعا بتبجحه المستمر بهذه القابلية، أتوا به الى ساحة واسعة وطلبوا منه أداء قفزته الفريدة التي يدعي بها، فإذا به يقول انه يمارس هذه القفزة في الشام وليس في العراق..!.
في تحليلات تنشرها جهات أمنية متخصصة بين الحين والآخر، عن أشخاص بارزين يحتلون هرم القيادة في تنظيم داعش في العراق، تكشف أن بعضهم كانوا قد خدموا في الجيش العراقي السابق، وقد سبق أن تم إلقاء القبض عليهم في السنوات 2004- 2005- 2006- 2007 وأطلق سراحهم بعد قضاء بضع سنين لاتتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة في السجون العراقية. وقد ذهبوا جميعهم -بعد ان أصبحوا أحرارا- الى سوريا، حيث مارسوا نشاطاتهم الإرهابية بصلاحيات اوسع وإمكانيات أكبر وتأثيرات أكثر شمولا وأعم ضررا. وهي نتيجة متوقعة لمن أوغل في الجريمة والإرهاب، إذ لن يكون الحبس رادعا ولا السجن مؤدبا له، بعد أن تلطخ من هامة رأسه حتى أخمص قدميه بدماء هي أشرف من كل معتقداته ومبادئه التي يدعيها، ولم يعد لديه فرق أفي الشام أم في العراق أم في أية رقعة جغرافية أخرى، يمارس فيها مهنته وهوايته في القتل والذبح، فجميعها لاتعني بعرفه شيئا. والسبب بتمادي هؤلاء في إجرامهم يعود الى إطلاق سراحهم، وإخلاء سبيلهم ليسرحوا ويمرحوا فيعيثون في الأرض فسادا، بغياب الرقيب والقانون وقبل هذا وذاك انعدام الضمير والشرف، وتركهم على غارب حبل المحاسبة والعقاب الشديد، في الوقت الذي كان حريا بالحاكمين؛ العسكري والمدني والقضائي، أن يحكِّموا حبل المشنقة حول رقاب أشخاص كهؤلاء، من دونما شفقة بهم. إذ كان الأولى -بعد ثبوت إدانتهم- تنفيذ حكم الإعدام بهم، لشناعة ما ارتكبوه من جرائم لاتغتفر بحق البلد.
وبعودة الى صاحبنا (بطل القفز العريض) وباحتساب ادعائه صحيحا.. أرى أن الأرض واحدة، فمن يكمن الشر في قلبه ويعشعش البغض والحقد والكره في عقله، تكون كل بقاعها أرضية خصبة لشروره، إن كان في الجيش السابق أم اللاحق. وكذلك من ترتقي نفسه الى المحبة والسلام والوئام، فالأرض كلها مفروشة أمامه بالحب والورد والانسجام، وللإثنين الخيار بينهما، أما انتقاء احدهما ونبذ الآخر فهذا من مسؤولية الرأس في الحكم إن كان شخص رئيس الوزراء ام مجلس رئاسته! وعليهم يقع وزر اختيار القادة في الميادين كلها.