المنبرالحر

بنايتان وموقفان / ياسين النصير

أثار احتلال فئة مسلحة لبناية تابعة للجيش العراقي في زيونة حفيظة الدولة ومؤسساتها العسكرية والأمنية، واستطاعت الجهات المعنية بأقل من خمس ساعات أن تصفي الأمور بالتفاوض تارة وباستخادم النار تارة أخرى، وإذا كانت الأمور قد هدأت على أرض الساحة الزيونية، فانها لم تهدأ على الساحة السياسية، وها هو رئيس الوزراء يتوعد من يتعمد إحداث الخلل في حميّة العراقيين على مواجهة داعش هنا في بغداد او هناك في البصرة مدينة العلم والنخيل والتراث- هذا ما نشر في صحافة يوم الأحد 12-7- ، بالقصاص وعدّ مرتكبي هذه الأفعال الوجه الآخر لداعش وبقايا البعث، علينا أن ندرك جميعا أن الدولة ومؤسساتها لا تتعامل مع الأحداث داخليا إلا متى ما ارتبطت تلك الأحداث بما يضعف الدولة وتوجهها نحو محاربة داعش واجرامه، لهذا السبب لم تفعل ذلك مع جماعات مسلحة أخرى ربما كانت هي نفسها أو وجه آخر لها عندما هاجمت مقر اتحاد الأدباء والكتاب في العراق وهو خال من أية فعالية ثقافية ومن أي حضور، واعتدت على حراس المقر من العسكريين دون احترام لرتبهم ووجودهم كرمز لقوى الدولة، واعتدت كذلك على عمّال بنغاليين بسطاء اضافة إلى تخريب مقر الاتحاد وتشويه سمعته ومواقفه الوطنية الذي حشد كل اعضائه لمساندة الدولة والقوات العسكرية والحشد الشعبي بالتصدي لاجرام داعش. هذا الموقف المزدوج من قبل مؤسسات الدولة والحكومة لم تفهم آلياته بوضوح؟ لماذا لا تقوم الحكومة بالتصدي لمثل هذه الجرائم على مستوى مؤسسات المجتمع المدني أيضا بما يوازي موقفها من احتلال مليشياوي لمبنى عسكري في زيونة؟ كنا نترقب من الدولة أن تبادر إلى كشف المسؤولين عن هذه الجريمة بحق مؤسسة مجتمع مدني عمرها يتجاوز الخمسين عاما ونيفا، والسؤال لماذا لا يُكشف عن دور هذه الفئات التي تعكّر السلم الوطني وتنعش آمال داعش ومن أرتضى بحكم موقفه الضعيف من المثقفين أن يكون في جوار داعش؟ في الوقت الذي يتطلب الموقف من هذه الجهات المعتدية أن تكون في جبهات القتال، هناك حيث يتطلب دورها أن تكون، لا أن تمارس تمارين عضلاتها المسلحة على ابناء الشعب من المثقفين الذين عرفت مواقفهم بالوطنية منذ تأسيس الدولة العراقية؟ هذا الموقف المزدوج من قبل مؤسسات الدولة الرسمية بحاجة إلى توضيح أكثر خاصة وأن السكوت على هكذا ممارسات يغذي ليس أعداء العراق فقط، إنما كل متربص بائس بمؤسسة لم يجد البعض له يوما فيها موطئ قدم.
يبدو أن البعض من هذه الجماعات المسلحة خارجة عن القانون لا تفرق كثيرًا بين بناية فارغة تابعة لوزارة الدفاع بامكانها أن تُشغل بما يفيد تطبيب الجرحى من المصابين من قواتنا العسكرية المناضلة، وبناية مشغولة منذ ثلاثة وخمسين عامًا بالثقافة والمواقف الوطنية، كلتا البنايتين مهمة، ومشغولتان بمهماتها الخاصة، ولكن بعض الجهات تريد أفراغهما من هذه المهمات الوطنية لصالح مكاتب أريد لها أن تكون حاضرة كمليشيات فافتعلت مواجهة مع الحكومة والثقافة وكان الموقف في كلتا المواجهتين لصالح الحكومة والثقافة ايضًا، وخسرت الجهة المهاجم? مشروعية ادعائها بانها تحارب داعش، مرورا بمهاجة مقر للمثقفين العراقيين ومستوصف لتطبيب الجرحى.