المنبرالحر

تعلمت من العمال / د. ناجي نهر

تعلمت من العمال الكثير: المواطنة المخلصة والاعتراف بالآخر ونكران الذات والعمل المثمر والنضال ضد المستعمر لانتزاع حقوقي وحقوق شعبي المسروقة ،كما تعلمت من العمال اهمية التمسك بالعلم لقهر الجهل وقهرالمستعمر وعملاءه اللصوص ،وكيفية اقتلاع جذورالفساد والشعوذة والانانية وزرع المثل الانسانية المنتجة للخيروالتعاون والعمل الجمعي والتقدم والمساواتية بين الشعوب بديلا.. كما تعلمت من العمال ان التطور الفكري والتقني الذي نتمتع بتطوره اليوم انما تدرج وفق الاثر المتبادل بين العمل والوعي ،وان العمل وفق مناهج العلم المتخصصة انما هو السلاح المجرب والاداة الفاعلة لبناء الحياة السعيدة وتطوير الافكار الطيبة وبناء الاوطان المزدهرة. فكل امين للمبادئ الانسانية اطلع على عمل العمال وتعرف على سجاياهم وجد ان فلسفتهم صحيحة ودقيقة وان نتاجهم على مدار الزمن والمكان كان ضروريا ورائعا ومثمرا وفخرآ للمناضلين والمستضعفين فى مختلف بقاع كوكبنا .. كنت عام 1946/م فى الحادية عشرسنة من عمري وفي المرحلة النهائية من الدراسة الابتدائية وكنت اسكن مدينة كركوك ،وكان بيتنا بالقرب من بستان (كاورباغي) ومطلا عليه و(كاورباغي) هو اسم بستان الزيتون الذي كان يتجمهر فيه عمال شركة نفط كركوك خلال اضرابهم عن العمل وهوالمكان الذي وقعت فيه مجزرتهم ايضا وسميت باسمه. وحيث كان بيتنا واغلب بيوت سكان محلتنا مطلة على بستان (كاورباغي) كنا نراقب حركة العمال المضربين وتجمهرهم فيه..منذ ان بدأ إضرابهم فى الأول من تموز عام/1946 م حتى وقوع المجزرة يوم 13/تموز/1946م. فبرغم صغر سني آنذاك لكن احداث تلك المجزرة الرهيبة نقسشت فى ذاكرتي ولم انسى ذلك اليوم الاسود الذي سبق حدوث المجزرة بساعات، وكيف جاء الى بيتنا ظهرذلك اليوم13( تموز/46/م ) استاذنا فى اللغة العربية المدعو (موسى) لا اذكر اسم ابيه وحدثني عن تفاصيل ذلك الاضراب ثم اعطاني مظروفا صغيرا امرني بايصاله الى اقرب عامل استطيع الوصول اليه ،فاخترقت سور الشرطة المحيط بالبستان بسهولة ونفذت الامر بحرفية وانا اجهل ما يعنيه.. وبعد ما يقرب من ساعة على ايصالي المظروف الى العمال دوى ازيز رصاص الشرطة المحيطة بالبستان بكثافة مستهدفا صدور العمال العارية فاستشهد من استشهد وجرح من جرح وعم كركوك وناسها الفزع والاستنكار الشديد لتصرف الحكومة الاجرامي الاهوج واقدامها على ارتكاب تلك المجزرة الرهيبة مجزرة بستان (كاورباغي) التي كانت حصيلتها اكثر من (16 شهيدا وعشرات الجرحى). وفي اليوم التالي لتلك المجزرة الرهيبة خرج سكان كركوك عن بكرة ابيهم مشاركين العمال تشييع قتلاهم ،الذين استشهدوا خلال تلك المجزرة الاليمة التي عم وقعها العراق بكامله وتعداه الى ربوع العالم اجمع وما زالت ذكراه تحز فى نفوس من عرفها من الاخيار حتى الساعة. لقد برهنت تلك المجزرة الرهيبة على وحشية وخسة عملائه الاستعمار التي فاقت وحشية اسيادهم ، فالعملاء في كل زمان ومكان ديدنهم السرقة والاجرام الاشد قسوة من الاسياد ،لذا نجد المناضلين يؤكدون فى كل ادبياتهم ومناسباتهم على ضرورة فضح العملاء اولا لكونهم اكثر خسة ووحشية من اسيادهم المستعمرين. ما زال الاحياء من سكان كركوك يتذكرون بفخر ذلك الاضراب الناجح للعمال وما امتازوا به من صلابة وادارة وتنظيم لاجتماعاتهم المتواصلة ،فعزيمة العمال لم تقهر يوما وسوف لن تلين للباطل ابدا ، لكونها صفة متجذرة فى نفوسهم وصفة من صفاتهم المجيدة... وكذلك سوف لن ينسى التاريخ ايضا دورالمرأة العاملة وبسالتها خلال أيام الإضراب فى شد عزيمة المضربين اومشاركتها فى التشييع وفي التظاهرات اللاحقة له. لقد كان لمجزرة بستان (كاورباغي) الرهيبة ضد العمال وقعها المؤلم فى نفسي ،ترك اثرآ اضاف الى وعيي وعيا عمريا كبرني اكثر من عشرة سنوات ودفعني حالما اشتد عودي ان اكون مناضلا مع العمال ومنخرطا فى صفوف حزبهم "الحزب الشيوعي العراقي" طليعة كفاح الطبقة العاملة وامل الشعوب فى انقاذها من المعتقدات الوهمية وخلق مستقبلها فى وطن حر وشعب سعيد .. الف الف تحية للعمال والسمو لنضالهم المجيد وعطائهم الثر ولشهدائهم الابرارفى كل زمان ومكان... سيبقى العمال جذوة الحياة وقادة التطور وسباقون فى النضال والتضحية والعمل الصالح ..وامنيتي لمن يزعم انه مناضل فى خدمة الشعب الاقتداء بفكر العمال وعملهم الخلاق، فهم كما خاطبهم الجواهري العظيم "البداية والنهاية المعطاء": بكم نبتدي واليكم نعود ومن سيب افضالكم نستزيد ..
=================