المنبرالحر

خيبة في الكتابة! / مزهر بن مدلول

حاولت اليوم ان اكتب عن (الحرية الشخصية)، بأعتبارها الحجر الاساس في تقدم الشعوب واستقرارها، فالبلدان التي تنعم بالحياة، ادركت ان الحرية الشخصية للمواطن هي منبع الابداع ومصدر الحركة في كافة الميادين وخاصة في الميدانين الاقتصادي والثقافي، وعلى هذا الاساس الصحيح استطاعت ان تبني حضارتها الانسانية المتطورة.
ولكي ابدأ في الكتابة، كان عليّ أن اذكّر بمسلسل القمع والخراب الذي تعرض له العراقيون والعراق منذ قرن من الزمان، لكني اكتشفت، بأنّ العراقيين يمكنهم الاستغناء عن مراجعة أو حتى عن تأسيس (مركز للذاكرة) كما هو دارج، فحلقات هذا المسلسل مازالت تعرض المشاهد المؤلمة على شاشة البلاد من خان بني سعد الى فنادق بغداد الى قتل المتظاهرين في البصرة، مما يجعل الذاكرة طرية وغنية مهما كانت كثافة دروس النسيان التي يلقنها لهم المستفيدون.
ابطال المسلسل، هم سياسيو المستنقعات!، قتلة محترفون، ومجرمون قساة، ولصوص متمرسون، ومنافقون انذال، وانتهازيون منزوعي الضمائر، ومرضى يريدون اقناعنا بأنّ الحقيقة موجودة في مكان آخر!، رفعوا شعارات، وحدة الامة وحماية امنها القومي، والدفاع عن نزاهة التراث والدين، والابقاء على شعلة الحضارة والمقدسات مضيئة، وعلموا اجيالا كثيرة، بأنّ تحقيق هذه الاهداف لا يمر الاّ بتكبيل المواطن وخنقه ومنعه من التفكير بنفسه، والقضاء على حريته الشخصية، فأستطاعوا ان يصنعوا شعبا يستسلم للموت بكل طأطأة رأس!.
اما حصادنا من تلك الشعارات، فالأمة التي هي (خير امة....) ونتبجح بأنتمائنا اليها! تخلت عنّا وتركتنا نصارع التجربة القاسية لوحدنا، وامننا القومي يثير الضحك، وحضارتنا تلطخت بالعار، وتراثنا تفوح منه رائحة الدم، ومقدساتنا تشوهت، وحدود بلادنا مفتوحة للافاعي والخنازير، والفاسدون نهبوا خبزنا ولا يبدو انهم سيشبعون!، ووعينا عاد الى المنشأ، الى الشعوذة والخرافة!.
ومنذ عقود وشعارنا واحد (كلّ شيء من اجل المعركة)!، والمعركة طويلة ومستمرة طالما عدونا موجود، ذلك الشبح الخارق الذي يظهر من بين طيات الثياب!، والذي بسببه اجّلنا بناء الانسان والاوطان، وتجحفلنا جميعا، ووضعنا الخطط والاولويات لكي نقضي عليه ونرميه في البحر، والحصيلة، وجدنا انفسنا وبكامل السذاجة نخوض في وحل مليء بالتماسيح.
واليوم، وبغض النظر عن اختلاف او تشابه الاعداء، فما زال قادتنا الجدد يتمسكون بذات الشعار، فلا ماء صالح للشرب، ولا كهرباء، ولا صحة، ولا اجراءات سلامة، ولا رفع للنفايات، ولا ملاجئ لللاجئين، ولا فرح يُقام، ولا حق في الاحتجاج والتظاهر، وجميع القظايا التي تهم المواطن وضعت على الرفوف حتى نجمع الادلة الدامغة والكافية التي تدين ما يرتكبه داعش من جرائم حرب لكي نقنع العالم بخطره ويقوم بطرده من اراضينا، وحتى لو حان ذلك الوقت، فقلق العراقيين في ان يجدوا نفسهم في محرقة جديدة تشعلها فئة من الطارئين الذين يظهرون في كل ظرف جديد!، قلقا متواصلا وله ما يبرره!.