المنبرالحر

تركيا: إيغال في التدخل في شؤون الآخرين..!! / باقر الفضلي

في المقالة السابقة، والموسومة "تركيا: في مستنقع التدخل"، جرى البحث حول إشكالية التدخل التي وجدت دولة جارة مثل تركيا نفسها فيه، بإعتباره يتعارض في كل حيثياته وتفاصيله، مع ميثاق الأمم المتحدة وقواعد حسن الجوار، التي أشار اليها الميثاق المذكور، وتمت الإشارة الى كل من دولتي سوريا والعراق، بإعتبارهما الدولتان المستهدفتان من ذلك التدخل..!؟(1)
وليس الأمر هنا بصدد إعادة البحث بموضوع التدخل نفسه، بقدر ما يمكن التنويه، الى أن التبريرات التي إعتمدتها دولة تركيا، وهي تستمر بتدخلها المتواصل ضد الدولتين الجارتين، لم تكن بالمستوى المقنع، ولا يجدها المرء تتوافق مع نصوص الميثاق الأممي، بقدر ما إنصرف الهدف من محاربة تنظيم الدولة، وفقاً لما أعلنته تركيا، وإنسجاماً مع الخطط التي إعتمدها التحالف الدولي بقيادة أمريكا، الى تعيين هدف آخر، أو كما تسميه تركيا "عدو داخلي"، وتقصد به الحزب الديمقراطي الكوردي (pkk)..!؟
ولكن وطبقاً لهذا الإدعاء، فإن هذا "العدو الداخلي" هو الآخر، يتواجد خارج الحدود التركية، وبأن مواقع تواجده تتمركز في كل من العراق وسوريا، وبالتالي فإنها منحت نفسها "الحق" في الإغارة على تلك الأهداف المفترضة، وقصفها بحمم الطائرات التركية حيثما وجدت، سواء بين القبائل الكوردية من السكان القرووين المحلين في شمال العراق وشرق سوريا، أو بين الهضاب والوديان في تخوم وربوع كوردستان، وهو ما يحدث فعلا كل يوم، لتختلط الأوراق، ويصبح متيسراً بالنسبة لتركيا، الإنفراد بمهاجمة حزب العمال الكوردستاني المعارض، تحت نفس غطاء داعش، فهي ذريعة ربما تكون أكثر قبولا؛ وفي الظروف الحالية، تبدو أكثر مناسبة، وملائمة مع المقاصد المبيته في عدة إتجاهات، وتنسجم مع التصعيد التركي في علاقاته الداخلية مع الحزب المذكور، وتقويض محاثات التسوية السلمية مع قوى المعارضة التركية، خاصة وأن حزب العمال الكوردستاني مصنف كمنظمة "أرهابية" طبقاً لحسابات التحالف الدولي بقيادة أمريكا، وحلف الناتو، والدولة التركية..!؟(2)
ومن هنا تأتي الغرابة في الإدعاء التركي، ناهيك عن عدم منطقيته، حيث لا يجد المرء من سبيل الى الكيفية التي بواسطتها ستتمكن الطائرات التركية من تشخيص الأشخاص والأهداف إن وجدت، والفرز بين من هو من أعضاء حزب العمال الديمقراطي الكوردستاني، وبين المواطن الكوردي الآخر من سكنة أي قرية كوردية من المدنيين، ولا ندري كيف يتسنى للطيار التركي التمييز بين أبناء القرى والقبائل الكوردية، ليدلنا على أي منهم عضو منتم الى الحزب من عدمه، وأي منهم حاملاً للسلاح من عدمه، بل ومن أي منهم حاملاً الجنسية التركية من عدمه، بل وكيف يمكن لقنابل الطائرات التفريق، بين من كان متهما من عدمه، وفقاً لعقيدة الحكومة التركية، وأخيراً هل هناك في الأعراف الدولية أو في القانون الدولي، ما يبيح لأي دولة، إختراق حدود الدول الأخرى دون إذنها، ومطاردة "متهمين مفترضين" وراء الحدود، دون التنسيق والتعاون المشترك بين الدول ذات الشأن، حيث إن التدخل التركي المباشر سيؤدي الى التفريط بحياة المدنيين الأكراد الأبرياء، وتدمير قراهم و مزروعاتهم وماشيته، ويأتي على الزرع والضرع..!!؟؟
إنها أسئلة تطرح نفسها على الإدارة التركية لتجيب عليها، ناهيك عما يعنيه السؤال المبدأي والذي ينبغي توجيهه الى السلطات التركية، فيما إذا كانت قد إستحصلت على موافقة وتصريح الدولتين السورية والعراقية، بالسماح للطائرات التركية بخرق أجوائهما، في الوقت الذي تشاء، وبالسماح لها بقصف الإهداف التي تشاء..وغيره من الخدمات التي يمكن أن تقدمها الدولتان الى الطائرات التركية عند الحاجة، أما التنسيق مع سلطات الدولتين، او مع الهيئات الدولية، وطبيعة قراراتها، فهذا شأن آخر، والإجابة عليه من خصوصيات تلك الدول والأمم المتحدة، علماً أن البرلمان العراقي قد عبر عن إستنكاره للتدخل التركي الممعن وطالب بوقفه على الفور..!؟(3)
أن تمادي الطائرات التركية في قصفها القرى العراقية في إقليم كوردستان وتدميرها، بحجة مطاردة أعضاء حزب العمال الكوردستاني المتواجدين في العراق وسوريا، أو مطاردة "داعش" وفقاً لإدعاء الحكومة التركية، قد جاوز حدوده، ليتحول الى عدوان سافر وغير مبرر من قبل دولة جارة على العراق وسوريا، ويحمل في طياته الكثير من سيناريوهات قديمة وحتى جديدة، سعت وتسعى اليها الحكومة التركية، بصدد ما هو مبيت ضد دولة سوريا ونظامها القائم، ومنها ما تدعيه بالملاذات الآمنة على الحدود التركية السورية، وهو أمر لا يمكن إخفاءه، وتأريخه يرجع بعيداً في جذوره، وعلى أقل تقدير، منذ بدايات الأزمة السورية، قبل خمس سنوات، حيث لم يتوقف التلاعب بأوراق تلك السيناريوهات الدولية كل يوم ، بل وفي كل لحظة..!؟(4)
كما وإن إستخدام ورقة "داعش" كأي ذريعة للخروج من الأزمات الداخلية التي واجهت حكومة حزب العدالة والتنمية التركي، بعد نتائج الإنتخابات النيابية الأخيرة، والتجاوز على حدود وسيادة الدول الأخرى، تحت هذا الستار، لا يجد لقبوله من مسوغ منطقي في جميع الأحوال، الأمر الذي لم يلق ترحيباً على الصعيد العربي الرسمي، حيث جرى إستنكاره من قبل بيان الجامعة العربية، الذي دعى؛ [[ إلى تكثيف التنسيق البيني والتعاون الثنائي من أجل مواجهة التحديات الجسام التي تمر بها المنطقة والقضاء على الإرهاب والتهديدات العابرة للحدود وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة]]...!؟(5)
اللهم، إلا ذلك الدعم الذي تلقاه الحكومة التركية، في المجال الحييوي العربي، من قبل بعض الأنظمة العربية التي باركت التدخل، معلنة، معارضتها لبيان الجامعة العربية الذي استنكر القصف التركي لشمالي العراق، ومؤكدة تضامنها مع تركيا في ما تتخذه من تدابير لحماية حدودها مستنكرة بيان الجامعة العربية الرافض له ..!؟ (6)
إن التدخل التركي في الشأن العراقي أو السوري، وكلاهما دولتان جارتان، يضع الحكومة التركية في موقف لا تحسد عليه، في مجال العلاقات الدولية، ويشكل أيغالاً مرفوضاً للتدخل الفظ في شؤون الآخرين، وإستمراراً لإنتهاك ميثاق الأمم التحدة، وقواعد حقوق الإنسان وحسن الجوار، ناهيك عما يترتب عليه من تعريض خطير لسلامة العلاقات بين الشعوب، وما يجره من تهديد خطير لأمن المنطقة، الأمر الذي جرى إستنكاره وإدانته والمطالبة بوقفه، حفظاً لتلك العلاقات، من قبل العراقيين، على صعيد القوى السياسية أو السلطات الرئاسية، وفي جميع الأحوال لا يخرج التدخل التركي المذكور، عن نطاق الخطط والسيناريوهات المرسومة لتقسيم المنطقة..!؟(7)