المنبرالحر

التظاهر .. حق تكفله المواثيق الدولية لحقوق الإنسان و الدساتير / زهير ضياء الدين

التظاهر هو تعبير عن الرأي لتحقيق ضغط من أجل تنفيذ مطالب للمواطنين، كواحد من أشكال المشاركة السياسية، وهو فعل جماعي. وهذا الحق منصوص عليه في مواثيق حقوق الإنسان الدولية كحق أساسي للانسان، وهو جزء من حرية التعبير عن الرأي , إضافة إلى كونه جزءا من المشاركة السياسية.
والتظاهر وسيلة للفت نظر المسؤولين في أعلى مستوى الى وقوع إجحاف معين و في أغلب الأحيان تقصير من الحكومة في ضمان الحقوق رغم كل المراجعات المسبقة . و يرى الدكتور فؤاد عبدالمنعم رياض و هو قاض سابق في المحكمة الدولية لجرائم الحرب و أستاذ للقانون الدولي في جامعة القاهرة (أن الضرب العشوائي للمتظاهرين الذي يؤدي إلى الإصابة في مقتل، يعد جريمة ضد الإنسانية خاصة إذا تم بشكل جماعي، و هو أمر تحرمه المواثيق الدولية المعروفة). ويتداخل حق التظاهر مع حقوق الإنسان الاخرى مثل حرية التعبير عن الرأي و حرية التجمع. و بالرجوع إلى أول وثيقة لحقوق الإنسان التي إعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة وهي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي إعتمدته الجمعية في العاشر من كانون الأول 1948, نجد أن صدر المادة (19) منه ينص على ان (لكل شخص الحق في حرية الرأي و التعبير ... إلخ ). كذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية الذي إعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1966 و تمت المصادقة عليه من جانبالعراق أصبح جزءاً لا يتجزأ من المنظومة القانونية للعراق.
وتشكل التظاهرات جزءاً أساسياً من نضال الشعوب لإنتزاع حقوقها المشروعة ,ففي العراق كانت التظاهرات التي إنطلقت عام 1952 بمشاركة الآلاف من المواطنين وخاصة المثقفين وقد بدأت بمشاركة طلبة الكليات في منطقة الوزيرية و إنضمت إليها الجماهير من الأهالي تصاعدت لتتطور إلى اضرابات و صولاً إلى اطلاق إنتفاضة عام 1952 في الثاني و العشرين من تشرين الثاني . كما إننا لا ننسى التظاهرات التي إنطلقت لمساندة الشعب المصري ضد العدوان الثلاثي على قناة السويس في السادس عشر من شهر آب عام 1956 والتي تصدت لها أجهزة الشرطة بشتى وسائل القمع. ويتذكر العراقيون التظاهرة الحاشدة التي إنطلقت في بغداد لإحياء عيد العمال العالمي في الأول من آيار عام 1959 عبر شارع الرشيد، والتي إبتدأت عصراً واستمرت حتى صباح اليوم الثاني، و كانت تهدف إلى إيصال رسالة قوية الى الحكومة بالمطالب الجماهيرية التي كان يطمح اليها الشعب. كما لا ننسى التظاهرات التي إنطلقت في بغداد في أواخر أيام حكم عبدالكريم قاسم للمطالبة بالديمقراطية للعراق و الحكم الذاتي لكردستان، كذلك انتفاضة آذار التي انطلقت شرارتها الأولى في الثاني من آذار عام 1991 من ساحة سعد بمدينة البصرة بقيام أحد الجنود بإطلاق النار على جدارية صدام حسين إثر حالة الإحباط التي مر بها الجيش و الشعب غداة الإنسحاب المذل من الكويت و الضربات التي تعرضت لها القطعات المنسحبة من طرف الجيش الأمريكي. وإمتدت الشرارة الى خروج عشرات الآلاف من المواطنين في تظاهرات حاشدة في محافظات الجنوب، وانتشرت في محافظات الفرات الأوسط وصولاً إلى المحافظات الشمالية عندما سيطرت الجماهير على هذه المحافظات، إلى أن قام النظام المباد بقمع الإنتفاضة بٱستخدام القوة العسكرية بتغاضي من جانب القوات الأمريكية، وٱرتكب المجازر بحق آلاف العراقيين.
وبالعودة إلى دستور جمهورية العراق لسنة 2005 نجد أن المادة (38) منه تنص على كفالة الدولة لحرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل، كذلك حرية الإجتماع و التظاهر السلمي.
إلا أن ما يخيب الآمال هو النصوص الواردة في مشروع قانون حرية التعبير عن الرأي و الإجتماع و التظاهر السلمي الذي أقره مجلس الوزراء و أحاله إلى مجلس النواب في عام 2011. فبموجب هذا المشروع الذي أفرد الفصل الرابع منه لحرية التظاهر السلمي قيّد هذه الحرية من خلال تحديد توقيتات التظاهر بين السابعة صباحاً و العاشرة ليلاً, مما يعني منعه من ممارسة الإعتصام ضمناً و الذي يستمر لفترات غير محددة. كما إشترط المشروع ضمن المادة ( 7 / أولاً ) وجوب الحصول على إذن مسبق من رئيس الوحدة الإدارية قبل (5) أيام في الأقل.
وجرى قمع لهذه التظاهرات بٱستخدام مختلف وسائل القمع، من الهراوات و الغازات و مياه الإطفاء وإطلاق النار. وأصبحت هنالك مناطق محدودة لإنطلاق التظاهرات في كل مدينة كساحة التحرير وساحة الفردوس في بغداد و ساحة الحبوبي في محافظة ذي قار و ساحة الإحتفالات في الموصل وساحة السراي في السليمانية وساحة ثورة العشرين وساحة الصدرين في النجف.
ولا يفوتنا أن نذكر أن تظاهرات شباط 2011 إستمرت لفترة طويلة في أيام الجمع خاصة في ساحة التحرير في بغداد رغم ممارسة القمع ضد المتظاهرين وإعتقال أعداد منهم. وتشير الإحصائيات إلى إستشهاد (29) مواطناً وإصابة (150) متظاهراً خلال تلك التظاهرات في عموم أنحاء العراق. و كان من نتائج تلك التظاهرات أستقالة محافظ البصرة وخروج الحكومة بإلتزامات للأصلاح. إلا أنها كانت لغرض إمتصاص النقمة. ولا ننسى الصحفي الشهيد هادي المهدي الذي كان من ألمع المشاركين في تلك التظاهرات و الذي دفع حياته ثمناً لوطنيته و مبدأيته في النضال من أجل عراق مزدهر بشعبه و خيراته .
كما ولا يفوتنا أن نشير إلى التظاهرات الواسعة التي إنطلقت في الحادي و الثلاثين من آب عام 2013 وشملت بغداد وتسع محافظات.
وفي الختام نشد على أيدي جماهير المتظاهرين في جميع محافظات العراق، والتي تطالب بتحسين الخدمات و مكافحة الفساد لإنقاذ العراق و حصول العراقيين على حقوقهم يعملون من اجل انتزاعها .