المنبرالحر

يَسقُط أَبُو سُكينة! / يوسف أبو الفوز

لم يستوعب جَلِيل ما رآه أول الامر. ربما ظن ان مساً من الجنونِ ركب الجميع . حين دخل صالة البيت، وجد أباه يحجل ويدبك ويحرك عكازه مثل السيف وكأنه في حلبة ميدان، ومعه يدور ملوحا بيديه صديقنا الصدوق أَبُو سُكينة. بينما كنت وسُكينة غارقين في الضحك ونصفق بحماس، وليس بعيدا عنا تقف أم سُكينة تكتم ضحكاتها، وتنادي زوجتي لتخرج من المطبخ وترى ما يجري . وما جرى، لم يكن غريباً عن أجواء المرح والصخب، التي درج على خلقها أَبُو سُكينة من حين الى أخر، تحت عنوان « شر البلية ما يضحك».
كنت قد وصلت مبكرا، حاملا معي، مثل كل مرة، حزمة من الصحف. استعرضت لمن يسمعني أهم ما تحمله التقارير والمتابعات. كان الحدث الأهم، الذي تابعنا اخباره بأهتمام، هو التظاهرات الاحتجاجية التي عمت العديد من المدن العراقية. وما سجله المراقبون والمتابعون، عن الجديد في هذه التظاهرات ارتباطا بما سبق،واتفاقهم على سلميتها، والتزام المتظاهرين برفع الشعارات المطلبية والاحتجاجية، ولم يسمح منظمو التظاهرات لاي طرف سياسي باستغلالها لرفع شعارات سياسية معينة، وظلت الشعارات تدور في محاور محاربة الفساد وطرد المفسدين من الدولة، والدعوة الى دولة مدنية يسودها القانون . وكيف ان حضور الشباب كان طاغيا، الى جانب وجود جمهرة ليست قليلة من المثقفين والنساء. وكيف كانت هموم الوطن العامة، في محاربة الارهاب والفساد، توحد الجميع تحت اسم العراق، وكيف ان القوات الامنية كانت متعاونة ومتفهمة.
قالت سُكينة : أعجبني جدا شعار رفعه المتظاهرون يقول « كراسيكم خشب والشعب من نار ... طفوا النار لا تحرك كراسيكم». وكان أَبُو جَلِيل معجبا بشعار: « باسم الدين باكونه الحرامية». قلت لهم : ان ما لفت الانتباه عند العديد من المتابعين هو غياب الشخصيات السياسية او اعضاء مجلس النواب عن ساحات التظاهر، ما عدا الشيوعيين. وواصلت حديثي بألم : ان غيابهم ربما ـ أقول ربما ـ نجد له ما يبرره، لكن كيف نفهم ونبرر ما فعله الكثير من السياسيين، بعد ان شاهدوا زخم التظاهرات، وطابعها الاحتجاجي العالي النبرة، والتحاق الكثير من المواط?ين بها ليشاركوا لاول مرة ، فما ان سمعوا بتعليق رئيس الوزراء الذي اعتبر التظاهرات «جرس انذارمبكر للسياسيين»، حتى راح العديد منهم يتبارى مع غيره في اعتبار التظاهرات «حقا مشروعا دستوريا»، وهناك من صرح أنه « قلبا وقالبا مع المتظاهرين»، وهناك من أعتبر الــ .....؟! ، وهنا صاح أَبُو سُكينة : اذا كل هؤلاء السياسيين متفقين مع المتظاهرين ومطالبهم ، ويريدون محاكمة المفسدين ويحذرون من غضب الشعب، زين هاي التظاهرات طالعة ضد من ؟ يبدو أما ضدي ... أو ضد أَبُو جَلِيل؟! هنا برقت عيونه ومد رقبته، وقال: يعني هاي التظاهرات يا أَبُو جَلِيل يمكن كانت تهتف ضدك و ضدي وأحنا ما سمعناها ، يجوز كانوا يهتفون ... « يسقط أَبُو جَلِيل ... ويسقط أَبُو سُكينة»؟ وتغامزا، ثم قفزا مثل طفلين مراهقين، وراحا يدبكان ويرددان هتافهما الغريب ... « يسقط أَبُو جَلِيل ... ويسقط أَبُو سُكينة». وفي تلك اللحظات دخل علينا جَلِيل ونحن مهتاجون بين الضحك والمرارة !