المنبرالحر

محكمة تأريخية تحت نصب الحرية / علي عرمش شوكت

من حسنات الطبيعة الجيولوجية في العراق، ان البلد غير واقع فوق خط البراكين الطبيعية، الا انه ينطوي على براكين بشرية، اشد وقعاً اذا ما انفجرت، والتاريخ شاهد على ذلك. وجاءت انتفاضة 31 تموز 2015 خير انموذج منها، وعندما انفجرت قد سبقتها مقدماتها، متجلية باضرابات ومظاهرات معلنة عن كوامن البركان القادم. لقد تجاهلتها الحكومة المأزومة هي الاخرى، لكونها متخمة حتى الثمالة بفساد مالي واداري واخلاقي سافر. وعليه امسى العراقيون لا يختلف من بينهم عاقلان على حتمية "الثورة" لذلك نزلوا سيلاً بشرياً عارماً، قض مضاجع المفسدين المتسترين بالدين زيفاً وبهتاناً، وبخاصة عندما انطلقت حناجر الجموع الهادرة هاتفة " باسم الدين باكونة الحرامية ".
ان حرامية العراق اليوم اصبحوا لا يتمالكون انفسم حتى غدا بعضهم هارباً مستعيناً بمرجعه في خارج البلاد، او مارقاً واتباعه من " الروازين " للنفاذ الى متن الانتفاضة بغية الاخلال بمدنيتها الحضارية واصرارها على تحقيق اهدافها، وعلى الصعيد الاخر، استشرست محاولاتهم لايقاف عجلة الاصلاح، التي بدأت خجولة وسلحفائية الخطوات، ولم تقترب من المطلب الاول للجماهير الا وهو، اصلاح النظام السياسي الذي افرز الازمة وانهيار هياكل الدولة. حيث لم يمض السيد "العبادي" رئيس مجلس الوزراء الى احالة الفاسدين للقضاء، انما اتجه لحد الآن الى معالجات سطحية لدعم خطته للتقشف ليس الا. لأن تقليص المواقع الوظيفية، لا يشكل علاجاً لقلع جذور الفساد المالي، طالما بقي الفاسدون دون قصاص، بل في احد اوجه معالجاته" دمج بعض الوزارات" قد عزز مواقع البعض من الوزراء الذين كانوا سبباً في الخراب، ولازالت تثقل اعناقهم ملفات الفساد.
اما ساحة التحرير فلم تكن كلوحة لكلمات متقاطعة، انما لوحة شطرنج قد تميز فيها الاسود عن الابيض، من خلال الشعارات التي كانت تكشف عن الهوية السياسية لمن ينادي بها، رغم ان الساحة قد تجسدت فيها وحدة الاغلبية المدنية الديمقراطية بصورة تشفي الغليل، انما ثمة اقلية ضئيلة من ذوي الاهداف الضيقة الذين ارادوا حرف التظاهرة عن مسارها وراحوا يطالبون بالغاء الدستور اولاً، والغاء الاحزاب السياسية دون تمييز،والغاء العملية السياسية برمتها. بمعنى العودة الى حكم الفرد على نمط "القائد الضرورة"، سواء كان دكتاتوراً عسكرياً، ام دكتاتوراً دينياً من طراز "ولاية الفقيه". وعليه فالاجابة على مطاليب الاكثرية او الاقلية يفترض ان تأتي في الخطوات الاصلاحية المطلوبة المنتظرة.
وثمة رهان تأريخي يفرض نفسه في خضم هذه الانتفاضة الباسلة التي تذكرنا بانتفاضات شعبنا العراقي ضد الظلم والتسلط. فأن الطليعة الثائرة تراهن على تراص صفوف اطرافها، وتصاعد الحس الثوري لدى الجماهير المكتوية بنار الفساد والمحاصصة الطائفية المقيته، الامر الذي سيبلور بروز قيادتها الطليعية من داخل الميدان. اما الطرف الثاني في الرهان، فهم الذين فقدوا وسيفقدون ثراءهم الفاحش من السحت الحرام، وهم اقلية تسلقوا الى مواقع المسؤولية بفضل هذه الاكثرية المنتفضة !!. ومن ثم تنكروا لها. اليوم في ساحة الحساب قدمت الجماهير مطالعتها لاتهام الفاسدين الفاشلين، فكان (النظام كله في قفص الاتهام). اذن قرار الحكم في نهاية المطاف هو الغاء بل نمط النظام القائم على المحاصصة واللصوصية، الى نظام حكم مدني ديمقراطي تسوده العدالة الاجتماعية، واعلاء كرامة الانسان العراقي.
ومن الاهمية بمكان ان نشير الى ان هذه المحاكمة التي تجري تحت نصب الحرية قد خلت من احد اركانها المفترضة الا هو، جانب الدفاع عن المتهمين. واذا ما عنى ذلك شيئاً فانه يعني قطعاً، ان الجريمة المرتكبة بحق شعبنا لا تدع مجالاً لتبرئة اي من اركان نظام المحاصصة والفساد، الذين وضعوا البلد واهله في اتون الحروب والفتك بالارواح من قبل ذئاب داعش، وتحت رحمة أفة الفساد المطلق، وفي اسفل قاع الفقر المتقع المتزايد، فلا حكم اليوم سوى قرار قاطع ومباشر لبناء الدولة المدنية الديمقراطية المستندة على العدالة الاجتماعية الرصينة.