المنبرالحر

ألا نحتاج إلى إصلاح اقتصادي أيضا ؟ / ابراهيم المشهداني

يمكن القول ان الاصلاح الاقتصادي هو مجموعة القوانين والتشريعات التي تحقق افضل تعبئة للموارد الاقتصادية والبشرية وتوجيهها بمنظور استراتيجي في مختلف اوجه النشاط الاقتصادي الاكثر فاعلية في انتاج وإعادة الانتاج المادي من السلع والبضائع الكافية لإشباع حاجات المجتمع من القيم المادية والخدمات .
وإذا ما حاولنا قياس واقع الاقتصاد العراقي على اساس هذا المفهوم لتوصلنا الى المؤشرات التي تسم هذا الاقتصاد في المرحلة الراهنة ، وتتمثل بالطابع الريعي للاقتصاد، وانخفاض معدلات النمو الاقتصادي وتراجع كبير في الصادرات وعجز في الميزان التجاري فضلا عن شبه انعدام في تدفق رؤوس الاموال الاجنبية عن طريق الاستثمار او النشاط المصرفي وارتفاع في حدة البطالة وتصاعد نسبة الفقر الى ما يزيد عن 35 في المئة تحت خط الفقر وهذه النسبة في تزايد مضطرد اذا اخذنا في الاعتبار تزايد العوائل النازحة التي تزيد عن ثلاثة ملايين حسب احصائيات منظمات الامم المتحدة وارتفاع نسبة التضخم بالإضافة الى تدهور البنية الاقتصادية جراء الحروب العبثية التي اشعلها النظام السابق وزاد عليها الاحتلال الامريكي وعمليات السلب والنهب التي رافقته، زائدا ضعف دور القطاع المصرفي في عملية التنمية الاقتصادية وإتباع سياسة اقتصادية ريعية تعتمد على انتاج وتصدير للنفط ما انتج طبقة طفيلية نهابة هيمنت لعشر سنوات على مركز القرار وأشاعت ظاهرة الفساد التي سببت تدمير البنية الاجتماعية لما لها من تراكمات افقدت صبر المواطن العراقي ودفعته إلى الخروج الى الساحات لإعطاء رسالة واضحة للحاكمين ان ابدأوا بالإصلاح وألا سنتخذ من الساحات سكنا ثابتا حتى ننتج اصلاحات شاملة بما فيها الاصلاح الاقتصادي الذي تتوقف عليه معظم الاصلاحات الاخرى في صورة تبادل التأثير على مختلف الاتجاهات .
بيد ان عملية الاصلاح الاقتصادي وهي عملية طويلة، تتطلب الكف عن التصريحات الديماغوجية التي مارستها الحكومات السابقة، التي انتجت الفقر والفساد والإرهاب ، واعتماد سلسلة من التشريعات وإجراءات عملية ملموسة متمثلةً بإعادة رسم استراتيجية اقتصادية تنموية مستدامة واضحة الاهداف والبرامج وقائمة على معطيات وبيانات دقيقة تأخذ بالاعتبار التحديات القائمة وكيفية معالجتها ، والابتعاد عن الايدولوجيا في رسم هذه السياسات والخطط وإنما الواقعية والعقلانية والموضوعية في تحديد حاجات الاقتصاد، والتركيز على القطاعات الاقتصادية السلعية، الحكومي والخاص والمختلط، وإيجاد مصادر جديدة لتمويل الموازنات العامة والاهتمام في سوق العمل وتنظيم عملية التشغيل وحركة العاملين بين القطاعات الاقتصادية عن طريق معالجة ظاهرة البطالة المستفحلة وخصوصا بين الشباب والنساء، والسعي إلى توفير البيئة المناسبة لتنشيط الاستثمار، القانونية والتشريعية والاقتصادية واللوجستية ، وإعادة النظر في النظام المصرفي القائم بما يسهم في تنشيط عمليات الاستثمار ومحاربة اجراءات المضاربة وغسيل الاموال التي تمارسها المصارف وخاصة الاهلية منها وكشف المصارف العائدة للأحزاب الحاكمة التي لعبت دورا في تهريب العملة الصعبة الى الخارج وتشديد الرقابة عليها من قبل البنك المركزي . ولا تفوتنا الاشارة الى ضرورة توزيع الدخل بشكل عادل بين المواطنين عبر الموازنات العمومية كأدوات فعالة في تحقيق هذا الهدف، والعمل على تنمية البحوث الاقتصادية، والتوصيات الصادرة عن المؤتمرات الاقتصادية التي تنظمها الجامعات ومنظمات المجتمع المدني الداخلية والخارجية والاستفادة منها في رسم السياسات الاقتصادية . ان الاهتمام بهذه الاصلاحات سوف تعمق من محتوى الحزم الاصلاحية التي اتخذتها الحكومة والبرلمان او التي ستتخذ في المستقبل والتي من شأنها خلق تحولات حقيقية في شكل النظام السياسي القائم ، على اساس المواطنة والعدالة الاجتماعية .