المنبرالحر

المفسدون.. "كان بعضهم لبعض ظهيرا" / علي علي

للطيور خاصية حباها الله بها.. تلك هي الطيران والارتفاع عاليا بعيدا عن الأرض ومن عليها، لاسيما الشريرون منهم. وهناك من الأمثال الشعبية الكثير الكثير المرتبط بخاصية الطيور هذه، حيث سخرها قائلها لتطبيع صورة في أذهان المستمعين، او لتوضيح فكرة او لتقريب وصف يبتغيه، فهناك من قال؛ "عصفور كفل زرزور واثنينهم طياره". وأظن هذا المثل أٌقرب مايكون لتجسيد حال المفسدين من مسؤولي البلد الذين صاروا "أكثر منا جميعا" حيث نرى بعضهم ظهير بعض. وهناك مبدأ يعدّه هواة الطيور قاعدة أساسية لايحيدون عنها أثناء ممارستهم هوايتهم، ذلك المبدأ يحتم عليهم عدم إطلاق طيورهم في الأجواء الضبابية.. ومن (يطيِّر طيره) في الضباب يسمونه (مطيرچي كمش). إذ سيقع في مطب يفقده طيره حتما، ذلك أن الطير سيعلو في الجو حتى يصل مكانا يصعب عليه رؤية صاحبه، وكذلك صاحبنا سيستحيل عليه رؤية طيره في الضباب، فتنقطع الصلة بين الإثنين ويفقد كل منهما الآخر.
ويبدو أن مبدأ كهذا يصح أيضا في كثير من جوانب حياتنا، منها على سبيل المثال (والحصر أيضا)؛ السماح لمنتسبي الدولة -لاسيما متبوئو المناصب الحساسة- بالسفر والإفلات خارج حدود العراق في حال ارتكابهم ذنبا او جرما، حتى وإن كان سرقة تغطي قيمتها من الدولارات مايغطي عين الشمس في وضح النهار. والمسؤول كما هو معروف مسؤول عن كل مايخرج من عباءته من تصرف او فعل او كلام، ومحاسب على كل إشارة او تلميح يبدر منه، من قريب او من بعيد، فكيف يكون الحال إذا كان المال العام هو الضحية التي وضعها المسؤول تحت إبطه في جنح ليل او في وضح النهار؟ فضلا عن تورط آخرين بفساد إداري.. او ارتباطهم بأعمال عنف اوإرهاب.. او تسببهم بخروق أمنية.. اواختلاس مال.. اواستغلال منصب.. اواتصال مشبوه بجهات تعادي البلاد.. اوتواطؤ.. اوتزاور.. اوتعاون معها على الإثم والعدوان.. او احتمالات عديدة أخرى كلها متوافرة والحمد لله في مسرح السياسة العراقي، بعروض مستمرة من دون انقطاع.
وقطعا المبدأ هذا يأخذ شكلا أكثر حزما وصرامة إذا كان تصرف هذا المسؤول يعود بالضرر على البلد برمته، او على شريحة من شرائح المجتمع، والأمثلة على هذا في بلدنا كثيرة.. والشخوص المرتكبين مثل هذه الأخطاء أكثر، وهم أشبه بطير الـ (مطيرچي الكمش) حيث سمح لهم بالطيران في غياهب ليل بهيم مدلهم حالك، وفوق هذا وذاك السماء فيه ملبدة بالضباب.
كلنا يذكر المؤتمر الذي نُضم في شهر تموز من العام المنصرم في العاصمة الأردنية عمان، وكيف أن نفرا من الشخصيات العراقية، التي لم تجد شبرا في العراق يأويها فتجتمع فيه، لم تجد لها بدا من عقد المؤتمر خارجه. وقد صرحت جهات عراقية عديدة بعد ذلك ان "أغلب الحاضرين في مؤتمر عمان متورطون في "سفك" الدم العراقي ومطلوبون وفق المادة 4 إرهاب". وقطعا أغلبهم كانت يداه قد تلطخت بدماء العراقيين الأبرياء، او تلوثت جيوبه بمال مسروق من خزائن العراق وثرواته التي سرقها بطريقة أو بأخرى، او ممن لاذ بعد أحداث عام 2003 بالفرار كونه من أزلام -او نسوان- النظام السابق. وقد كان المؤتمر مخصصا للبحث والمناقشة والتخطيط والعمل على كل ما من شأنه قلب نظام الحكم في العراق آنذاك، والقضاء على العملية السياسية، وكذلك تغيير الدستور.
فلو علمنا أن منظمة الإنتربول الدولية، لها دور فاعل في جلب الفاسد والسارق والمجرم والمتهم والمدان من أية بقعة على سطح الكرة الأرضية، أليس من الغريب والعجيب السكوت عن جلب المطلوبين للقانون العراقي سابقا؟ والأكثر غرابة وعجبا فسح المجال أمام الفاسدين الجدد الذين (احترگ فلمهم) مؤخرا للطيران والإفلات بعيدا عن العقاب والحساب؟ فلِمَ هم مطلقو الجناح حتى اللحظة؟ هل أن مبدأ الـ (مطيرچية) الضبابي آنف الذكر مازال ساري المفعول وسطوته فوق سطوة القانون..؟!