المنبرالحر

متى يستغني العراق عن النفط كمصدر عائدات رئيس؟ / ابراهيم المشهداني

معظم الاقتصاديين يجمعون على ان التدفقات المالية المتحصلة من تصدير النفط بأسعار مرتفعة، في غياب تخطيط منهجي لإعادة بناء البنية الاقتصادية التي خربتها الحروب والعمليات التخريبية التي يقف وراءها الارهابيون والعصابات المأجورة، وفي ظل نظام سياسي قائم على المحاصصة الطائفية الاثنية ، كانت وراء انتشار الفساد في عملية منظمة وممنهجة، وظهور طبقة طفيلية نهابة تحصنت بمؤسسات الدولة وبنت حولها سياجا من "الميليشيا" المسلحة وحولتها الى سياط لتحجيم دور القوى الحية في المجتمع. فهل سيبقى النفط محتفظا برائحته الجذابة التي تخر لها الحيتان ساجدة لنعمة منزلة من علياء السماء كما يزعم الفاسدون ؟
استطلاعات الرأي تنظر الى آفاق هذه الثروة برؤية مختلفة، فالتوقعات تكشف ان اسعار النفط ستتعافى تدريجيا على امتداد العام القادم. غير ان هذا التعافي مرهون بتباطؤ عرض النفط وتحسن تدريجي في الطلب عليه. ومهما يكن من أمر هذه التوقعات فان هناك مؤشرات على ان الخزين العالمي من النفط وخاصة في الولايات المتحدة الامريكية آخذ في الزيادة نتيجة للارتفاع في انتاج النفط للتعويض عن انخفاض الاسعار وخاصة بالنسبة للعراق ودول الخليج العربي. هذا اذا اضفنا دور ايران في دخولها بقوة في انتاج النفط. ومن جانب آخر تباطؤ في الصناعات التحويلية في امريكا وأوروبا والصين، ما يؤثر سلبا على الطلب على النفط .
السؤال المهم هو ماذا سيفعل المخططون للاقتصاد العراقي؟ هل سيأخذون هذه المؤشرات بنظر الاعتبار؟ ام انهم سيستمرون في النظر الى هذه التوقعات بعين الرضا والتفاؤل المفرط؟ ام انهم سيأخذون الواقع الاقتصادي الراهن المتمثل بسقوط الاقتصاد في فخ الانكماش والتباطؤ المريع في معدلات النمو بما لا يزيد عن 4 بالمئة وهي نسبة متفائلة على كل حال؟
ان المنعطف الكبير الذي يمر به العراق على المستويين السياسي والاقتصادي لابد ان يدفع الحكومة ومستشاريها نحو مراجعة حقيقية للسياسة الاقتصادية، والابتعاد ما امكن عن التسليم لنظريات لم يثبت نجاحها على الارض ولا تملك سوى بريقها الايديولوجي الذي ينجذب اليه البعض كالظمآن في صحراء مجدبة يركض نحو السراب . من هنا يتعين قيام المؤسسات الاقتصادية التخطيطية والتنفيذية بإعداد برامج وخطط استراتيجية واضحة الاهداف، آخذة بعين الاعتبار الوضع المالي للبلد والابتعاد عن الغلو في مشاريع كبرى لا يمكن تنفيذها، أو انها مجرد مشروعات للهدر المالي، وان تأخذ بعين الاعتبار ما يلي :
- التركيز على القطاعات الانتاجية السلعية والخدمية والانشائية بهدف الاكتفاء الذاتي، والاستعانة بالخبرات البشرية العراقية المتاحة واستثمار الكفاءات العراقية دونما النظر الى الخلفيات السياسية والمذهبية والقومية والاكتفاء بالسير الذاتية المشجعة .
- التركيز على الصناعات التحويلية التي تتوفر لها المواد الاولية وخصوصا الزراعية منها، وإيجاد مستوى من التكامل بين القطاعين الزراعي والصناعي لإيجاد بيئة صناعية قادرة على اجتذاب العمالة العراقية في مختلف الاختصاصات، بما يساعد في النهاية على تحسين الطلب على المنتج الوطني .
- تشجيع الاستثمارات الوطنية والأجنبية في القطاعات الخدمية والإنشاءات بما يسهم في الاستفادة من اليد العاملة العراقية والمواد الاولية والمعادن الصخرية المتوافرة تحت الارض وفوقها، وخاصة في الصناعات الاسمنتية ومعامل الطابوق، وإدخال التكنولوجيا في اطار نظم جودة متكاملة .
- اعطاء القطاع الخاص بعده الاقتصادي وتفعيل هذا القطاع بالتوظيف العقلاني لقرض البنك المركزي عبر المصارف الحكومية الصناعي والزراعي والعقاري لإنعاش التنمية الاقتصادية في هذا القطاع .
- فرض نظام ضريبي تصاعدي واعتباره جزءا من الثقافة العراقية وتوعية العراقيين بهذا النظام الذي يمكن ان يكون الدعامة الرئيسة في توفير الخدمات، وتنمية الشعور ان هذه الخدمات من صنع المواطن نفسه ليكون حريصا على الممتلكات العامة والدفاع عنها ضد المتطفلين .
وضع خطة ملموسة لكهربة المدن والأرياف بعيدا عن المشاريع الاستعراضية، لتكون دعامة اساسية لخطط التنمية الاقتصادية.