المنبرالحر

الشيوعية إبداع اجتماعي / ترجمة: خضير الأندلسي

لقاء أجراه الأستاذ بيكنف فيكتور مع السيد ياتسك فوز عن الشيوعية وقوى اليسار في العالم والموقف من الاحتجاجات المتواصلة.
* السيد ياتسك فوز, استاذ متمرس بدرجة بروفسور ومحاضر في جامعة شلونسك احدى اعرق الجامعات البولندية. انجز دراسة الماجستير والدكتوراه في القانون. ونال لقب «بروفسور» في علم الاجتماع عام 1978. ألف اكثر من 20 كتابا وعشرات المقالات العلمية. متخصص في الإجتماع السياسي والقانون.
* الأستاذ بيكنف فيكتور, استاذ متمرس في جامعة فرتسواف في بولندا. صاحب 11 مؤلفاً وأكثر من 200 مقالاً علميا. حاضر في جامعة فوهان في الصين بين الأعوام (2005-2012). متخصص في نشر الثقافات الاجنبية بين الاوساط الاكاديمية.
1.هل ماتت الشيوعية؟
لا يمكن ان نوافق بطبيعة الحال على السؤال اعلاه, او توجيه الاسئلة الآتية على نمط « ان هذه الحركة مصيرها الاندثار» او « لا مستقبل للشيوعية».
الشيوعية هي إبداع اجتماعي مُضاد للرأسمالية ,وهذا التضاد لم يمت نهائياً بل على العكس , ففي غضون السنين الأخيرة تنامى بصورة ملفتة للنظر و الذي انعكس على شكل تظاهرات كبيرة في معظم دول العالم حيث تنمو البطالة وتهديد السلم الوطني و إشعال فتيل الحروب نتيجة تنامي الفروقات الطبقية وكذلك تزايد عمق المشكلات الاقتصادية بين دول الشمال والجنوب.
الشيوعية في الوقت الحاضر تدعو الى ضرورة حل التضادات الطبقية في المجتمعات, لهذا وجب علينا الإشارة الى ان الطبقات العمالية المناهضة للرأسمالية ستأخذ بالتنامي لحين اجبار الطبقات المهيمنة على اصلاح سياستها الاقتصادية تجاههم منعا لتكديس الاموال بيد واحدة وبالتالي السيطرة على تحركات الناس ونشاطاتهم.
2. الدراسات الرأسمالية المعاصرة أثبتت نجاحها بينما فشلت الحركات العمالية او دعنا نقول: «قلّ دعمها الشعبي» والتي لازالت تتخذ من «المصانع والشركات» نواة لعقيدتها.
ان الصراع الطبقي لم يمت ابدا, حتى في البلدان الغربية ودليل كلامنا هو تنامي حركة التظاهرات المناهضة للسياسية الرأسمالية المتبعة. وهذه الحركات نراها متزايدة في دول العالم الثالث التي يؤسرها الجوع وموت آلاف الاطفال يوميا جراء الجوع والفقر والسبب ليس نقص الغذاء كما يدّعون بل ارتفاع أسعاره وكذلك بالنسبة للادوية والعقاقير الصحية والرعاية الاجتماعية. باحثون في الأمم المتحدة تحدثوا عن ان دول العالم الثالث بحاجة الى حوالي اكثر من 1,5 مليار فرصة عمل للنهوض بالطبقة العاملة التي تعاني البطالة. وسبق وان قلنا ان تراكمات السياسة الرأسمالية العالمية ستترجم على شكل ثورات وهو ما حدث في بلدان الربيع العربي وانتقلت الى وول ستريت وبعدها الى بعض دول أوروبا والبرازيل وغيرها من البلدان, فملايين الناس لايمكنها ان تسامح الرعونة الرأسمالية دون نهاية.
3. يعلق بعض المساندين للسياسة الرأسمالية انها لن تموت فحسب بل ستزدهر في المستقبل القريب تدريجيا.
نعم هذه التعليقات نتابعها دوما في العالم الرأسمالي , ففي بولندا مثلا رفعت حركة التضامن قبل اكثر من عشرين عاما شعارها بانها ستبني البلاد على اساس رأسمالي مغاير لنظرائها الاخرى من الدول, لكن ما رأيناه ان الرأسمالية لا تملك بديلاً, والدليل ما نلمسه اليوم من هجرة اكثر من 3 ملايين بولندي خارج البلاد بحثا عن فرص عمل.
4. هل بالإمكان ان نقول ان الحركات العمالية تدعو الى اهداف غير واقعية؟
لا شك في ان الحركات العمالية لها جذور اجتماعية قوية في بلدان كثيرة لكنها لا تدعو الى الخيالية او المثالية, لاننا نؤمن بان كل عمل ناجح يرافقه ثمنه, فاحيانا نصيب وأخرى نخطئ , لكننا ندعو الى تحديد مسارات مناسبة لتطوير المجتمعات مع الحفاظ على القيم الاجتماعية بما يحفظ عدم المساس بحقوق الناس ومصالحهم.
ان الشيوعية هي نظام اجتماعي-اقتصادي استمد ارثه التاريخي من حكومة باريس 1871 (كومونة باريس) مرورا بدول المنظومة الاشتراكية حتى الحركات العالمية في وقتنا الحاضر والتي تصارع التمرد الرأسمالي.
5. إذن هل يمكننا القول ان تعبير «الخيالية» قد ينعكس نوعا ما في عملكم على الاشتراكية التي حاول الاتحاد السوفيتي بناءها خلال فترة أكثر من 70 سنة؟
هذه ليست خيالية وإنما واقعية تجلت على الارض, حتى بعد سقوط منظومة الاتحاد السوفيتي فان الدول التي كانت منضوية تحت ظلاله لا زالت تعارض السياسة الرأسمالية ومتمسكة بدرجة ما بالنظام الاشتراكي. بفضل سياسة الاتحاد السوفيتي فقد نمت بلدانه حتى تلك التي كانت متأخرة في التطور الاقتصادي وهذا باين للعيان في طريقة مكافحة الفروقات بين المدينة والريف. الشيوعية ليست مثالية بل واقعية تجلت فيها كل معالم القوة بما فيها القضاء على الهتلرية, اضف الى فضلها الكبير في تخليص المجتمعات من الاستعمار عن طريق دعم حركات التحرر العراقي, مع الاخذ بنظر الاعتبار عدم اعتراف الدول الاستعمارية بهذه الحقائق. ان تطورات الاحداث في القرنين الأخيرين لايمكن استيعابها دون فهم الجدلية التاريخية (الديالكتيك) التي أشار اليها ماركس. انه عصر التحول الرأسمالي الى اشتراكي.
6. مع تصاعد وتيرة الاحتجاجات الشعبية هل يمكن ان تسرق قوى ثورية أخرى احتجاجاتكم بغض النظر عن قلة خبراتها؟
نحن في الحقيقة لا نختلف كثيرا في المسميات, جميع القوى الثورية التي تناهض السياسات الرأسمالية تنطوي ضمن مشروع واحد وأن اي محاولة للإساءة الى الجماهير المنتفضة قد يعود الى مفتعليها بالفشل, ذلك ان مطالب الناس واضحة لايمكن تشويهها او التأثير عليها بدواع مشبوهة. الأنظمة الاشتراكية لا تزال تعمل بثقة في الصين (القوة الصاعدة) وفيتنام وكوبا ومجتمعات اخرى تزداد فيها قوة التيارات اليسارية يوما بعد اخر.
السياسة الاشتراكية المتبعة في الصين والتي ركزت على النمو الاقتصادي ادت الى استنساخ هذه التجربة من قبل دول عديدة مثل الهند ودول نمور اسيا مبتعدة بذلك عن سياسة انتاج الاسلحة التي سوقتها الولايات المتحدة من اجل تقويض سياسات الدول اقتصاديا.
7. الشيوعية دائما ما ترتبط بمصطلح الاشتراكية, تعليقكم؟
نعم ,منذ منتصف القرن التاسع عشر هذه الحركات مرتبطة بثورة العمال لنيل حقوقهم, ومن ثم تطورت بعد حكومة باريس والثورة البلشفية. علميا مصطلح الشيوعية ادق من الاشتراكية الاجتماعية في مغزاها, حيث ان الأخيرة ترتبط بالاشتراكية الديمقراطية التي تم تبنيها بعد الحرب العالمية الثانية لكنها انسحبت من هدفها الأيديولوجي واتخذت من الرأسمالية جزءا من تحركاتها.ان الانتهازية رافقت البرولتارية منذ البداية والصراع معها اتخذ اشكالا عديدة, واهم صور التنبيه تجلت في البيان الشيوعي (1848) حين اكد ماركس وأنجلز على ان بعض الانتهازيين يتخذون من الشيوعية نقطة لتسيير مصالح قواهم البرجوازية.
وبالعودة الى البيان الشيوعي فان مؤلفيه لم يطلقا اسم «البيان الاشتراكي» عليه بل اطلقا تسمية «البيان الشيوعي» وهذه التسمية لا تعود الى ان المؤلفين لا يرغبان بالاشتراكية بل هو سبب راجع الى دقة وصف الهدف المراد نيله.
نوجز بان الانتهازية وتنامي دور الطبقة المتخمة وسط نشر أكاذيب مضللة الغرض منها النيل من التيار اليساري ,كلها اسباب أدت الى تراجع دور القوى اليسارية بعد سقوط المنظومة الاشتراكية, لكن وبعد مضي سنين قليلة اكتشفت الجماهير والحركات العمالية زيف الشعارات الرأسمالية المرفوعة وبالتالي خرجت في دول كثيرة للمطالبة بحقوقها ونجحت في عدة بلدان من تثبيت قدمها وفرض نفسها.اما في دول أوروبا فان دول» الرعاية الاجتماعية» والتي تستمد من الأيدلوجية الماركسية أساسا لعملها باينة للعيان ولا يمكن تجاهلها.