المنبرالحر

الخيار الصعب ! / محمد عبد الرحمن

عادت موجات الهجرة ، وخصوصا من الشباب ، لتسلط الاضواء الكاشفة على حقيقة الوضع في بلادنا ، ولتؤشر نفاد الصبر ، وحقيقة ان الفرج الذي وعدت به الكتل المتنفذة لم يأت بعد. فمن المؤكد انها ردة فعل ، سلبية طبعا ، على سوء الاوضاع الاقتصادية والمعيشية والخدمية وترديها، وقلة الفرص وشحتها امام الشباب وعوائلهم ، وطغيان المحسوبية والمنسوبية ، وواقع ان دوائر الدولة ومؤسساتها ، المدنية والعسكرية ، قد اغلقت بوجه من لا يريد ان يكون "برغي" في ماكنة المتنفذين والفاسدين ، حيث من المعروف في بلدنا الان جيدا ان لا تعيين بدون " واسطة "، وهذه تتنوع حسب الوظيفة والموقع. ويشمل ذلك ، للاسف، حتى المؤسسات العسكرية والامنية .
اضافة الى ذلك ، وهذا مهم ، لا بد من الاشارة الى الاوضاع الامنية غير المستقرة. وهذا ليس بمعنى التهديدات التي يسببها الارهاب ومنظماته ومنها داعش الاجرامي فقط ، بل كذلك التهديد الذي باتت تشكله العناصر المسلحة المشكلة خارج القانون ، والتي سعت وتسعى الى ان تجعل من نفسها بديلا عن مؤسسات الدولة، خاصة الامنية ، مع انتشار ملحوظ لمنظمات الجريمة المنظمة ، بحيث تعجز الدولة عن حماية حتى من يعمل في العراق من الاجانب ، كما حصل مؤخرا مع العمال الاتراك وغيرهم قبل ذلك.
علينا القول ان الناس لا تعيش فقط بالراتب ، وهو ما يحلو لبعض المسؤولين الاشارة اليه ، مقارنين ذلك بما كان يدفع لموظفي الدولة من رواتب ايام الطاغية المقبور ، وكأن ذلك منة من احد، ودون الاشارة الى الزيادات المضطردة في واردات الدولة في السنوات الماضية . نعم، تنفست الناس الصعداء بعد سقوط الصنم ، ولكن الامل في حياة اخرى مختلفة بدأ بالتلاشي التدريجي، واخذت انفاس الناس تُحسب عليهم وتنمط حياتهم وبدأ هامش الحريات ، العامة والخاصة ، يضيق يوما بعد اخر وتحت مختلف الذرائع والحجج، ومنها المحافظة على " الذوق العام " الذي تتحول عمليا الى سيف مسلط على رقاب الناس. فلا مسرح ، ولا سينما ، ولا غناء ، ولا اختلاط في الجامعات ، وقد نصل ان لا اختلاط في البيوت! وغير ذلك الكثير من المظاهر التي تحد من تطلعات الشباب الى حياة اكثر رخاء واستقرارا ، والى هامش مقبول من الحريات ، اضافة الى فرص العمل.
ايها المسؤولون المتنفذون الذين تحكمتم بمصير البلاد والعباد منذ 2003 عليكم التفكير مليا بما سببتموه من اذى وضرر وتخريب لوطننا ، وبما كنتم السبب فيه وهو الذي دفع ولا يزال الآلاف من العراقيين ، على اختلاف قومياتهم وطوائفهم واديانهم، الى ترك وطنهم مرغمين ، بحثا عن مأوى آمن تتوفر لهم فيه لقمة عيش كريمة . انتم السبب اولا واخيرا.. فعلام تلومون من وفر ويوفر المأوى للهاربين من جحيم الارهاب والشحن الطائفي ، ومافيات الفساد والاجرام ؟ وها انتم تستمرون في ادامة مسببات الهجرة عندما تقفون حفاظا على مصالحكم غير المشروعة وكراسيكم ضد تنفيذ مطالب الناس في الاصلاح والتغيير واحداث نقلة نوعية في اوضاع بلدنا على مختلف الصعد .