المنبرالحر

القائد الضرورة.. والأجيال المغدورة / مرتضى عبد الحميد

كل القادة الذين أطلق عليهم المتملقون زورا وبهتانا لقب (القائد الضرورة) لا علاقة لهم بالضرورة لا من قريب ولا من بعيد، بل لهم علاقة وثيقة بالصدفة السيئة التي دفعتهم إلى سطح الإحداث ليكونوا في الموقع غير المناسب( من قلة الخيل شدوا... ) وليعيثوا فسادا في البلاد والعباد.
وحصتنا في العراق من هؤلاء كبيرة والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، وتبدأ القائمة في عراقنا الحديث المؤطر بنجيع الدم من نوري السعيد وتنتهي بـ(صدام حسين) ومن جاء بعده، وكان هاجسهم جميعا وبدون استثناء، تزييف وعي المواطن العراقي وبالتالي ترويضه وتحويله إلى إمعة لا رأي له حتى في أخطر القضايا التي تمس حياته ومستقبل أولاده، وبطبيعة الحال لم ينجحوا كليا في مسعاهم الخبيث هذا رغم الأساليب الشيطانية، وتوظيفهم لإمكانيات الدولة الهائلة، والاستعانة بمستشارين من أسيادهم.
إن الهدف الذي كانوا يسعون وراءه هو إطلاق أيديهم للتحكم بمصير الشعب العراقي، وبالثروات الطائلة لبلدنا وبناء دولة على مقاساتهم المختلة ونوازعهم المريضة.دولة لا تقيم وزنا للإنسان ولا تعترف به أصلا، وإنما تحوله إلى مجرد رقم او صامولة في ماكينتها. والمواطن الجيد في مثل هذه الدولة له وظيفة واحدة هو الهتاف بحياة القائد الضرورة، وتمجيد كل ما يقوم به حتى لو كان خرافيا او حيوانيا.
لقد اعتلى نوري سعيد سنام الوزارة أربعة عشر مرة في العهد الملكي ولم يقدم فيها للشعب العراقي غير القمع للتظاهرات السلمية المطالبة بالحرية والديمقراطية وبإصلاح أحوال العراقيين الاقتصادية والاجتماعية، وتحقيق الاستقلال الناجز والسيادة الوطنية، فحرث الأرض مبكرا لتنمو فيها بذور الدكتاتورية والقمع والاستبداد، وليتحكم الثالوث الرهيب ( الفقر والجهل والمرض) بحياتهم ومستوى معيشتهم.
ثم جاء البعث معتليا صهوة مطيته (عروس الثورات) في (8) شباط الأسود عام 1963، ليعمق جراح العراقيين ويقيم نظاما فاشيا، أباد خيرة بنات وأبناء شعبنا، ولم يبق في الوادي غير الحجر.
وتواصل ظهور القادة الضرورة في شخص عبد السلام عارف واحمد حسن البكر، وصولا إلى (صدام حسين) القائد الأكثر ضرورة من غيره، ليس للشعب العراقي، وإنما لأعدائه ولناهبي ثرواته، وبفضله تحول العراق إلى سجن كبير، وأصبحت المجازر ممارسة يومية والعقاب جماعيا ويطال حتى الجيل الرابع من عوائل وأقرباء الذين يضعهم حظهم العاثر في طريق احد أزلامه. وقد انفرد من بين كل القادة الضرورة في العالم باستخدام السلاح الكيمياوي ضد شعبه، مضيفا لها بدعة لا يفكر بها إلا معتوه، وهي استحصال ثمن الطلقات التي تنهي حياة الضحايا فضلا عن منع مراسيم العزاء ... الخ، من الأساليب الجهنمية واللاأخلاقية.
وبعد سقوط الصنم استبشر الناس خيرا بانتهاء ظاهرة القائد الضرورة لكن حساب الحقل لم يطابق حساب البيدر، لان مرضا خطيرا أصاب سنابل الحقل فأحالها إلى تراب، وبذلك تغولت المحاصصة الطائفية والقومية والحزبية، فولدت ليس قائدا واحدا للضرورة وإنما عددا نستطيع به دخول سجل (غينيس) للأرقام القياسية، ولم يبقوا شيئا يعتب عليهم، وأخر انجازاتهم تقديم ثلث مساحة العراق هديه ل (داعش) وضياع مستقبل أجيالنا، دع عنك هذا الجيل التعيس، ونهب أخر دولار في خزينة الدولة، الأمر الذي يتطلب من الحكومة والعبادي شخصيا الاستجابة السريعة لمطالب المتظاهرين الذين لا يريدون قائدا ضرورة وإنما قائدا يستطيع أن يخدم جمهوره.