المنبرالحر

بغداد والعيد....خطوط نحاسية* / ئاشتي

تبتسم الطفولة لي بكل براءتها، وتنثر ورود الفرح في دروب الذكرى، لعل تلك الأيام تستعيد رونقها حتى ولو بالذكريات، فما عادت الحمائم تستحم ببحيرات الشوق الوردي، وما عادت عصافير الفرح تغني لغد يرسل نسائمه قبل شمس الصباح، ويبدو أستعادة الفرح أصعب من استعادة الحياة إلى ميت من زمن بعيد، لهذا استعيد ذكريات الطفولة بكل رونقها وبكل فقر تكويناتها وبكل انحناءات عنقها على أمل لابد ان يزهر في يوم ما، تلك الحكاية تستنزف حبور أيامي وأنا اتذكر بغداد، اتذكر حديقة الأمة، وأتذكر حديقة السكك، مثلما تعود بي الذاكرة إلى سينما الفردوس وسينما غرناطة، وربما في زمن المراهقة أتذكر سينما روكسي، هي تلك بغداد عالم من بنفسج يروي حكاياته لنجوم السماء، ويستعيد ذكرياته بخيوط من حرير على جدائل الفتيات وهن يرددن بكل فرح الشباب الذي يرى كل لحظات الحياة هي كينونته ( هذي مخدة عمتي وهذا خويط الليلو) ولكن في هذا الزمن القاحل، زمن الحواجز الكونكريتيه، زمن القتل دون وازع من ضمير، زمن الموت دون سابق إنذار ليس لنا غير أن نرسم خطوطا نحاسية على وجه بغداد
تبتسم الطفولة لي بكل براءتها، وتنثر ورود الفرح في دروب الذكرى، لعل تلك الأيام تستعيد رونقها، ومن اين يأتي هذا الرونق يا ملك الموت المجاني؟ السياسة تجعل بغداد خربة لقُمامة الحكام، يلقون بثقل ما يحملون من أدران على ثوب عرسها الذي تنتظر أن تلبسه في يوم ما، بغداد تلك الفتاة الحالمة لا تستسيغ جور حكامها، وستلقي بهم خارج أسوارها وسوف تستدعي كل مغنيها من ابراهيم الموصلي إلى ىسهراب والعبد ودنانير، وستفرش اجنحتها على كل هذا العراق، لأنها أم جميع المدن، ستسجر تنورها وتصنع ارغفة خبز من نور وجهها، وستطعم جميع أبناء العراق به، لأنها مدينة جميع العراقيين، ستنفض عن شوارعها زحمة السير، وتلغي من دفتر ذكرياتها زمنا استمر لأكثر من خمسين عاما، لأنه زمن مر، وبغداد تكره كل مرارات الزمن، مثلما تكره حكامها حين يفقدون بوصلة توجههم أو حين يتركون لجامها بيد غيرهم، فيقودونها حيثما يشاؤون، لأنها بغداد تلك الصبية التي لا تعرف الاذعان حتى لأشد حكامها عنجهية.
تبتسم الطفولة لي بكل براءتها، وتنثر ورود الفرح في طرقات الذكرى، فأستعيد إسحاق الموصلي بصوت أدونيس وهو يروي قصة تلك المدينة
(ليت لي أن أغني
أن أرى زمني يتغني
بالنواسيَّ، في قلب هذي المدينة،
كي يؤاسي أوجاعها
ويؤالف ما بين أحلامها وخطاها،
ويفتق أسرارها
ليت لي أن أدير عليها
كأس اوجاعي الدفينة)
• نشرت هذه المادة في جريدة(طريق الشعب)يوم الأربعاء 7 أب 2013