المنبرالحر

موكب التظاهرة / ابراهيم الخياط

موكب عزاء طرف العباسية في كربلاء، موكب متميز، وما يميزه هو عدم اقتصار رداته وهوساته وأهازيجه على اللطم والنواح، بل تضمينها معان سياسية وأهدافا إصلاحية وثورية هي ذاتها التي ثار من أجلها الإمام الحسين (ع).
في عام 1888، تأسس الموكب في كربلاء وما زال. لكن رسالته توضّحت عام 1941 عندما غزت النازية العالم. فإذذاك هتف الموكب ضد الشرّ القادم:
هالشعب ضد النازية يا أبو الثوار
يهتف بصوت الحرية كلنه أحرار
يا أبو الثوار .. يا أبو الأحرار
في عام 1952، عمّت التظاهرات والإضرابات بغداد في انتفاضة أشعلها طلبة الكليات والكسبة، لتسقط حكومة مصطفى العمري. وكان لها صدى هائل في الموكب الحسيني المهيب:
عالعهد ماشين وبالقسمة راضين
واللي يريد الغانمة يشد ع المنية
وفي عام 1956، وقع العدوان الثلاثي على مصر، فهبّ العراقيون متظاهرين داعمين للشقيقة، ويستنكر الموكب جريمة العدوان:
هذا الشعب ثار .. يا أبو الثوار
يساند مصر العربية
ضد الهجمة الرجعية
ويبعث استنكار .. يا أبو الأحرار
في عام 1966، واجهت الشعائر والمواكب مضايقات من الحكم العارفي، فكانت الردة المدوية:
اخذوا الأشرار هذا الحكم .. هيهات يبقى هالظلم
دوار هذا الفلك .. فرعون قبلك هلك
هيهات يبقى الحكم
فتمّ إبعاد كوكبة من وجهاء الموكب ونفيهم إلى الموصل لمدة شهرين، وكان منهم حسين الموسوي وحبيب الكركوشي وصاحب مهدي وعبد علي خاجي ورسول السماك وحسن عبد الامير وعباس الجصاص ورضا النجار. ولكن لم يسكت الموكب بل ردد ما هو أقوى وأشدّ وقعا على النظام:
سجل يا أمن ودّي لمشيرك
لو ثار الشعب شنهو مصيرك
في أوائل السبعينات، وبعد هجوم الطائرات البعثية على البيشمركة، كانت للموكب وقفة مشهودة:
چا ليش بكردستان هالضحايا تروح .. ليش الدماء الطاهرة
صوت العراق ينادي .. صون السلم ببلادي
يحسين بسمك صرخة شعبنا .. صرخة أحرار .. يا أبو الثوار
عام 1972، سخّر الموكب من تأميم النفط، مستعرضا معاناة الناس في بلد الخيرات:
شعبي كالجمل أكله صبح عاكول ... لكن عالظهر كله ذهب محمول
شنهو الذهب مفعوله .. لو حاير بعاكوله
وصرح الموكب جهارا نهارا أن نظام البعث ذاهب لا محالة إلى مزبلة التاريخ، حيث ذهب قبله نوري السعيد ورشيد مصلح:
وينك ينوري .. وين العرش وين الطغيان
وينك يمصلح .. ياكل جزاءه كلمن خان
كلمن يعادي شعبه .. تالي النضال يأدبه
بعد عام 2003، وفي عهد الحكومة السابقة، توفي على منبره المناضل صباح الفتلاوي (أبو نور) وهو يردد مع الموكب:
خلتني الحكومة اسمي بالحصاد ومنجلي مكسور
خلتني الحكومة اشبه الناعور
ذاك اعياله متخومه .. وانه عيالي محرومه
وللآن لا يأبه الموكب العريق الذي صار له سياج جماهيري غفير، بمن يحاولون اسكاته، فالناس من أهل كربلاء والمحافظات تنتظره وكأنها تنتظر أن تسمع صوت ضميرها ووجدانها. وقبل يومين كان الهتاف:
وين الكال أبد احنه ما ننطيها
ثمن سنين يحكمنه ولعب بيها
وطنه اتدمر ابحكمه
شعبنه ايعاني من ظلمه
ذكر حسين خالد يلتسمعونه
ويفتخر الموكب بأن منه أمير الشعراء الحسينيين الحاج كاظم منظور الكربلائي، كذلك الشاعر الشيوعي عبد الزهرة السعدي الذي أعدم إبان الثمانينات. كما يفتخر بكونه يسمى ـ منذ دهر ـ "موكب المظاهرة".