المنبرالحر

اقليم كوردستان في دائرة الأزمة القديمة / آراز عباس

ليست أزمة اقليم كوردستان العراق نتاج اليوم، وإنما هي أزمة تأريخية تتراكم أسبابها وتتفاعل مع إشكاليات الحاضر لتفرز نتاجها النوعي كل عدة أعوام، ونجد النتيجة في كل أزمة جديدة أقسى من سابقتها. أجد الأزمة الكوردستانية جزء من أزمة العالم العربي والإسلامي، هناك استئثار للسلطة وعدم توزيع عادل للثروات وارتباط قادة الأحزاب بمصير اقتصاد المنطقة.
في البداية أود التأكيد بأن ليس لدي الحق أن أشطب على نضال الحركة الكوردية المليء بالتضحيات في مواجهة الطغاة، تلك التضحيات الجسام تعيش في قلوب الناس حتى الآن والتي تتطلع لبناء اقليم ودولة مستقبلية على أساس المواطنة وليس على أساس التفرقة الحزبية التي باتت عائقا حقيقيا أمام التقدم الحضاري. لكن هذا التأريخ تشوه بسبب الأزمات والإشكاليات و السياسات غير المسؤولة، والتي تهدد وحدة المجتمع الكوردستاني والتي كان يتصور البعض أن الحلول التي وضعت من قبل الأحزاب الكبيرة على أساس مصالح الشعب الكوردي، لكن اتضح أنها وضعت على أساس المصالح الحزبية.
تفاقمت الأزمة السياسية الحالية في اقليم كوردستان وتفاعلت مع الأسباب القديمة في استفحال مستمر لأزمة تمديد الرئاسة، والتي لا تبشر بخير، وعواقبها ستكون مؤلمة ما لم تحل سريعاً وجذرياً، وابتداءا من تغيير نظام المحاصصة الحزبية المستندة عليها في اتفاقاتها. الأزمة الحالية شائكة وهي نتاج لأزمات لم تحل، واعتقد الحاكمون أن تقاسم مواقع النفوذ وتقسيم السلطة بعد الانتخابات بين الجميع سيحل الأمور وتناسوا بذلك، نواة الأزمات السابقة من حرب أهلية وفساد إداري ومالي، وعدم التوحيد الحقيقي للسلطات بين الإدارتين السابقتين، والحرب الإعلامية بين الحين والآخر نجدها اليوم تعطي ثمارها السامة وتدك أساس الخراب وعدم الاستقرار والرجعية في المجتمع الكوردستاني. وإلا ماذا تعني هجرة الشباب الكوردستاني الى اوروبا؟
ومن الأسباب الرئيسية للأزمة هي أن توحيد الحكومتين الإدارتين في كوردستان العراق هش وشكلي منذ ٢٠٠٤، بدليل أن الحزبين أبقيا على عناصرهم الحزبية في المؤسسات الأمنية وفي البيشمركًه وفي المؤسسة المالية ولم يتم توحيد هذه المؤسسات، وسببها عدم وجود ثقة بين الحزبين ومحاولة ترسيخ مكاسبهم. انعدام الثقة بينهما قديم والحرب الأهلية بين الحزبين اوك وحدك التي راح ضحيتها الآلاف من خيرة شباب كوردستان، عمقت هذا الانعدام. في طيات هذا الصراع يوجد صراع شخصي وفيه نوع من نية بعض الأطراف إنهاء دور الآخر كلياً. إن هكذا صراعات ستترك شروخا في نسيج المجتمع ويبدو أن حوافز هذه التصرفات هي الصراع المصلحي الحزبي الطاغي على الصراع من أجل المبادئ والمواطنة وتطبيق البرنامج الانتخابي. والأوضاع الحالية هي نتاج لهذه العقلية والتي تحمل بعض السمات الإقطاعية والعشائرية.
لا يمكننا فصل مشكلة الاقليم السياسية عن أزمة الحكم في حكومة المركز العراقية والعلاقة المرتبكة بينهما. الأحزاب الحاكمة في كوردستان مشاركة في تأسيس وترسيخ نظام المحاصصة الطائفية في العراق، وهي تمارس المحاصصة الحزبية في مؤسسات الاقليم بعيداً عن مبدأ المواطنة والعدالة الاجتماعية. وتناقلت وسائل الاعلام خبر محاولة بعض الأحزاب إقالة رئيس الجمهورية ونائب رئيس البرلمان العراقي لتمتد هذه الأزمة لتشمل العراق عموماً بعدما كان يقول البعض أن الاقليم ليس جزء منه، في محاولة للضغط على الأطراف الكوردستانية بدون الوقوف عند خطورة هذه المحاولات.
الاقليم بالرغم من الاستقرار النسبي لكنه لم يتمكن من وضع أسس لحلول اقتصادية لدولة مستقبلية يعتمد عليها في مواجهة الأزمة المالية ومكافحة الفقر والبطالة وبناء اقتصاد على أساس التنمية والتخلص من النظام الريعي وتأمين قوت المواطن الكوردستاني ليبني الاقليم دولة مستقبلية رصينة في منطقة غير مستقرة ولكي لا يكون ضحية بلدان الجوار، بحيث يمكن للإقليم في حينها الاعتماد على إنتاجه بعيداً عن تأثيرات أسعار النفط. بلدان الجوار تريد من الاقليم أن يصبح ورقة ضغط داخل العراق وخارجه. وعلاقة تلك البلدان بالوسط الكوردي هي علاقتها بالأحزاب وبعض الشخوص في داخل تلك الأحزاب وليس مع الشعب نفسه، لأنها لا تعترف بحقوق هذا الشعب اصلاً لذلك نجدها تقيم علاقات اقتصادية عبر الأحزاب للمحاولة للسيطرة عليها وعلى مواقفها السياسية وأن يكون عصب حياة المنطقة بيدها وأن تكون هي الحل لمعيشة الناس بدلاً من هذه الأحزاب مستقبلاً
قبل عام شاهدنا التراشق الإعلامي بين اوك وحدك واتهام بعضهما بالانقلاب على اتفاقهم الاستراتيجي المشؤوم، اتفاق ال٥٠٪ ٥٠٪ وعدم توزيع السلاح القادم من الخارج. تصوروا أن الهجوم الإعلامي على بعضمها لعبة يشغلون بها الناس بدون الوقوف عند الاتفاقات بينهما والتي تشكل حلا جذريا حتى الآن، لكي يحققوا استقرارا اجتماعيا سلميا، وإنما حلول آنية حول تقاسم السلطة، لذلك نجد أن الأمور تنفجر فجأة وتطفو على السطح لتهدد بحرق ما تحقق من بناء واستقرار اجتماعي نسبي مقارنة بباقي العراق. الشيء المخيف أن هذه الأزمة الأخيرة دفعت الحزب الديمقراطي الكوردستاني الى اللجوء الى ممارسات غير ديمقراطية كاستخدام القوة والأجهزة الأمنية في ردة فعل مع الأحزاب الأخرى وطرد رئيس البرلمان من أربيل و وزراء وأعضاء البرلمان المنتخبين والشرعيين، بالإضافة لغلق مقرات حركة التغيير واعتقال كادرها الإعلامي بدون وجه حق على ضوء مساهمة الأخير في مظاهرات مارست أساليب غير ديمقراطية في حرق مقرات حدك. أنا هنا لست بصدد الدفاع عن حزب معين، لكن دفاعي هنا عن الشرعية الانتخابية التي أتت بهؤلاء، والتي اتفق الحاكمون معها وأشركوا تلك الاحزاب في الحكومة، لأن هذه الاحداث يمكن أن تحصل مع أحزاب أخرى في المستقبل. وهذه التصرفات دلالة على أن الأجهزة الأمنية تابعة لأحزاب وليس لمؤسسة الاقليم ويمكن حشرها في أي صراع، وهنا أتساءل كيف نستطيع أن نؤمن مستقبلا ديمقراطيا لكوردستان بل استقلالها في أجواء تواجد أجهزة أمنية بمثابة ميلشيات تتحرك بأوامر أحزاب!؟ إن الشعب له حق التظاهر السلمي من أجل المطالبة بحقوقه متى ما شاء، لكن أن تكون نية بعض الأحزاب حرف المظاهرات وحرق مقرات لأحزاب وهي متحالفة في الحكومة مع أحزاب ينتمي الكثير من المتظاهرين لها، شئ ملفت للنظر.
مسألة تمديد ولاية رئيس كوردستان أزمت الأوضاع بسبب عدم البدء من وقت مبكر في البحث في حلول لهذه القضية ووضع خطة لتفادي المسألة مبكراً بالإضافة لتعنت الأطراف والانطلاق من مصالحها الحزبية وعدم إعلاء مصالح المواطن الكوردستاني الذي يضحي بأغلى شباب الكورد في جبهات القتال ضد داعش الإرهابية، جعلت الأزمة أكثر عمقاً. وأعتقد أن الأزمة الداخلية للاتحاد الوطني الكوردستاني ومرض السيد مام جلال الطالباني ترك أيضاً فراغاً وسبب أزمة زعامة وقيادة في حزبه وفي كوردستان عموماً لذلك وردت تصريحات مختلفة من قبل قيادة اوك.
أعتقد أن الحل موجود، والساسة الحكام والأحزاب الكوردستانية يعلمون جيداً بهذه الحلول، لكن لدي شكوك في الاتفاق حولها لأن تلك القوى تنطلق من مصالحها الحزبية المالية السلطوية ومصالح قادتها الشخصية وهذا يدفع المواطن الكوردستاني الى التفكير والبحث عن بديل ديمقراطي على أساس المواطنة والمساواة والعدالة الاجتماعية. لكن عدم وجود بديل ديمقراطي حقيقي يدخل في الحلبة السياسية لقلب الموازين ولانتزاع حقوق الشعب الكوردي ويحد من هيمنة هذه الأحزاب ويؤسس نظاما ديمقراطيا ليلبي مطالب الشعب في الحياة الحرة الكريمة.