المنبرالحر

من أجل تطوير التعليم الجامعي واعتماد مبدأ الجودة / محمد موزان الجعيفري

خلق حياة حرة كريمة للشعوب مرهون بنوع تعليمها الجامعي، بل ان وجودها على خارطة العالم في القرن الحادي والعشرين يعتمد على جودة تعليمها, اضافة إلى ذلك ان الاحداث اثبتت ان مشكلاتنا ملونة بجملة من المعضلات التربوية والثقافية ولا يمكن تجاوزها اذا كان تعليمنا الجامعي تقليديا ويخيم على اساتذة جامعاتنا التهميش والانكسار واليأس وعلى ادارتها ضعف القدرة على اتخاذ القرارات وتنفيذها.
ان عملية البناء ليست شعارا يرفع بل عمل علمي جاد ومثابر يتطلب حسن اختيار الإدارة المنفذة. لقد جربنا خلال السنوات الست الماضية العديد من الادارات الا انها لم تستطع بناء المجتمع وتطويره بل افرزت العديد من المشكلات التي كان بالامكان تجنبها لو اعتمدنا التعليم أداة للتغيير والتطوير. نحن بحاجة الى ثورة التربية بدلا من تربية الثورة. ان على أصحاب القرار المخلصين لهذا الشعب وفي مقدمتهم دولة رئيس الوزراء اعتماد التعليم أداة للتغيير والتطوير وقد سبقنا العديد من الشعوب والامم كاليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة وغيرها التي اختارت التعليم اداة للتغيير والتطوير ولم يكن اختيارها هذا مرتجلا او عبثا بل نتيجة بحوث ودراسات ونظريات وتجارب اظهرت ان التعليم الجامعي إحدى خلايا المجتمع القادرة على خلق الحراك الاجتماعي ومحاصرة القوى المتخلفة والحد من دورها في اعاقة عملية التغيير والتطوير, لهذا يمكن القول ان عمل النظام المباد وسعيه إلى تهميش الجامعات وتحويلها الى جامعات تقليدية هدفها تخريج انصاف متعلمين وحرمانها من دورها الريادي في قيادة المجتمع وتطويره والدفع بها الى التجرد والانفلات ليس مستغربا، ولسوء الحظ ما زال البعض الذي ?متلك القدرة على اتخاذ القرار يمارس هذا الدور ويعمل على تهميش اساتذة الجامعات والاكاديميين ويمكن ان نعزو ذلك إلى دور المحاصصة السيئ الذي افرز زمرا من الانتهازيين والاميين وظيفيا ومهنيا ومكنتهم من احتلال مواقع قيادية عجزوا ويعجزون عن ادارتها، وبدلا من ان يدفعهم هذا العجز الى الاستعانة بذوي الخبرة والكفاءة تجدهم يتفننون في محاربتهم وإبعادهم خوفا على كراسي احتلوها بغير جدارة, من المؤكد ان هذا الدفع لا يمكنه ان يحقق تعليما عالي الجودة قادرا على خدمة الوطن والمواطن.
وكي يستطيع التعليم العالي ممارسة دوره في التجديد والتطوير. علينا البدء من الآن في :
- التخلي عن سياسة المحاصصة في التعليم العالي لأن التعليم غير قابل للمحاصصة فهو حصة الشعب العراقي جميعا وعندما نعتمد المحاصصة تحدث الكارثة وهناك العديد من التجارب التي تثبت صحة هذا الرأي, فعندما سيطر صدام على التعليم كانت النتيجة كارثية , أما المحاصصة في الوقت الراهن فهي أسوأ الكوارث وقد أفرزت حربا طائفية وسياسيين لا يفهمون معنى السياسة وقيادات ادارية لا تفهم معنى القيادة وزمرا من الانتهازيين والوصوليين وسراق المال العام وإعلاميين يتاجرون بدماء الشعب العراقي ويبررون كل موبقات التكفيريين والحاقدين
وأن يوم الأربعاء الأسود وما رافقه من اعلام مضلل خير دليل على صحة هذا الرأي.
- اعتماد سياسة تربوية تتبنى فلسفة التجديد والتخلي عن سياسة التقليد وسياسة بنك المعلومات والمدرس الملقن والطالب الإمعة والإداري السلطوي المشخصن للعمل وغير القادر على العمل الجمعي التعاوني .
- التخلي عن سياسة إقصاء أساتذة الجامعات المتعمد عن صنع القرار.
ان النجاح الوحيد لبعض السياسيين هو تمكنهم من تحجيم دور اساتذة الجامعات وابعادهم عن المشاركة في صنع القرار, في المقابل نجد الجامعات في الدول المتقدمة تعد من اهم المراكز الاستشارية للدولة .
- اختيار قيادات ادارية تمتلك عقلا نافذا وديناميكيا قادرا على اتخاذ القرارات الصائبة في الوقت المناسب ومتابعة تنفيذها وتمتلك الجرأة في محاسبة المقصرين واثابة المبدعين والمجدين وقادرة على تطبيق مبادئ تجديد التعليم التي منها عدم جواز عمل الاكفاء تحت قيادة من هم اقل كفاءة ولكي يتحقق ذلك لا بد من اختيار الاداري وفقا للكفاءة والتخصص في العمل الذي يقوده.
- اعادة النظر في مفهوم الجامعة وفلسفتها واهدافها وتقنياتها فلم تعد مهمة الجامعات نقل المعرفة ( التدريس ) والبحث العلمي فحسب بل اصبحت مؤسسات تهدف الى تنمية العقل الناقد والفكر الحر والمبدع ومركزا استشاريا لحل مشكلات المجتمع بل انها خلية ديناميكية من خلايا المجتمع انيط بها خلق حراك اجتماعي ونقلة حضارية من خلال اعدادها لكوادر قادرة على تلبية متطلبات وحاجات المجتمع والاسهام في تنميته بالمفهوم الشمولي للتنمية. فالتنمية لم تعد تنمية اقتصادية فحسب بل اصبحت تنمية رأس مال بشري يتضاءل أمامه رأس المال الطبيعي والمالي?ولكي تستطيع الجامعة اعداد رأس المال مثل هذا لابد لها من التخلص من كل ما يعيق حركتها في التجديد والتطوير وفي مقدمة ذلك تجاوز الاتجاهات التخلفية والتقليدية في الفكر والممارسة .
- ان تتمتع الجامعات بالاستقلال بالمفهوم الشمولي أي تمتلك حرية قرارها في تنظيم نفسها على وفق اسس واجراءات تضعها دون تدخل خارجي، وان تتمتع بحرية اختيار العاملين فيها وفي اختيار مناهجها وتقنياتها وتحديد فلسفتها واختيار اعضاء تدريسييها خاصة وبكلمة ادق التخلص من المركزية الخانقة .
- زيادة التمويل الحكومي والمجتمعي للجامعات، فمن المعروف ان العامل الاقتصادي عامل اساس وحاسم في عملية التطوير والتجديد في بناء الكفاءات العلمية وفي المحافظة عليها على ان توضع الاموال بيد أمينة تحسن استثمارها، وما يؤكد وجهة النظر هذه ما حققته الجامعات في بعض الدول الاسيوية كمعهد كوريا المتقدم للعلم والثقافة وجامعة سنغافورة الوطنية والمعهد الهندي للثقافة, فحجم الانفاق على هذه المؤسسات يساوي ما ينفق على نظيراتها في الدول المتقدمة, لهذا استطاعت الجامعات توفير قاعدة عريقة من التنوع في اتساق التعليم والبحث العلمي ولعبت دورا متميزا في تطوير العلم والمعرفة وفي انتاج البحوث الاساسية واسهمت اسهاما مباشرا في تنمية الابتكارات الصناعية والزراعية .
التخلي عن امتدادية الجامعات إلى التعليم الثانوي سواء في فلسفتها او اهدافها او مفاهيمها او تقنياتها او طبيعة العلاقة التي تربط التدريس بالادارة والطلبة .
ادخال التكنولوجيا الحديثة في مختلف مجالات العمل الجامعي ( التكنولوجيا الاولية - العقلية - الاجتماعية ) .
التخلص من زمر الانتهازيين والوصوليين والباحثين عن المصالح الشخصية على حساب مصلحة الوطن والمواطن والذين يمثلون مراكز قيادية متقدمة في الجامعات .
العمل على تنويع الجامعات من خلال انشاء جامعات نوعية جديدة مع اجراء هزة عنيفة للجامعات القائمة من اجل تحسين نوعيتها .
- تحويل مؤسسات التعليم العالي الى تعليم مستمر وان تفتح ابواب الجامعات لجميع الاعمار و لجميع الراغبين والقادرين على التعلم .
- تشجيع القطاع الخاص على فتح الجامعات على ان يكون الهدف خدمة المجتمع وليس ربحا في المقام الاول, على ان تتولى ادارة هذه الجامعات مجالس تتكون من ممثلين للحكومة المحلية وغرف التجارة والصناعة والزراعة وسوق العمل ومنظمات المجتمع المدني والاكاديميين وممثلي الاتحادات الطلابية، من اجل التخلي عن بيروقراطية الحكومة. ان تحرير الجامعات من سيطرة الحكومة هو البداية الحقيقية لإصلاح التعليم, وللتدليل على صحة ذلك نجد ان الجامعات الخاصة في الولايات المتحدة تلعب دورا متميزا يفوق نظيراتها الحكومية سواء في البحوث المتقدمة او في الحفاظ على المعايير الاكاديمية الراقية وفي اجتذاب الكفاءات العلمية وهي امور مكلفة جدا تفوق امكانيات الجامعات الحكومية ,ومن الجدير بالذكر انه يوجد في الولايات المتحدة ما يزيد على 6500 مؤسسة تعليم عال 60 في المائة منها خاصة.
- ان التدريسيين ثروة الجامعة ومصدر عطائها الفكري والابداعي وادارتها في تنوير المجتمع وتتحدد قدرتها على تحقيق اهدافها بكفاءتهم الاكاديمية والمهنية والقيمية ولكي تضمن الجامعات وجود هذه الكفاءات عليها العمل على تحريرهم من كل ما يعيق اسهامهم الفاعل في مجريات الاحداث داخل الجامعة وخارجها وفي مقدمة ذلك تحريرهم من المعلومات الجامدة والمتخلفة لان ثورة ما فوق التصنيع كما يرى العالم (توملر) جعلت معظم معارفنا ومعلوماتنا ومعتقداتنا عن التعلم وعن المعرفة والحياة والمستقبل مختلفة، لهذا فان التدريسيين في العراق مطالبون اكثر من غيرهم بالعمل على المستجدات وتنمية مهاراتهم الاستشراقية, فعلى سبيل المثال ينفق التدريسيون في الجامعات الامريكية 25 - 30 في المائة من وقتهم على متابعة المستقبليات في حين نجد البعض منا لم يقرأ او يتابع ما يحدث في حقل اختصاصه , ليس هذا فحسب بل يحارب كل عملية تجديد وتطوير يشعر بان البعض يريد تحقيقها , ولتجاوز الضعف لدى العديد من التدريسيين لا بد من مراعاة ما يلي:
- انتقاء الكفاءات الاكاديمية والمهنية والقيمية القادرة على القيام بمهام التدريس والمؤمنة بان التدريس مهنة نبيلة.
- التخلص من التدريس الملقن وابعاد التدريسيين غير المواكبين الذين تجاوزتهم ثورة المعلوماتية وايجاد مجال اخر يناسب امكاناتهم, فمن الظلم ان يبقى تعليمنا الجامعي مرهونا بأيد ثبت ان زمن التعليم الحديث قد تجاوزها.
- رفع برامج تدريسية فاعلة لتطوير مهارات التدريس داخل العراق وخارجه.
- تحسين الظروف الفيزيقية المحيطة بعملية التعليم والتعلم.
- ضمان مستقبل الاستاذ الجامعي من خلال اقرار قانون تقاعد يناسب الجهد الذي بذله التدريسي الجامعي في خدمة الوطن والمواطن.
- التخلص من المناهج التقليدية المختلفة التي تؤكد على المعرفة لاننا بحاجة الى مناهج تؤكد ما فوق المعرفة (METACOQNITION THIKING) هذه المناهج اكثر قدرة على مساعدتنا في تهيئة جيل الشباب لمواجهة المعضلات التي يتعرض لها الوطن والمواطن لما تقدمه من مساعدة في تنمية التفتح الذهني والقدرة على التحليل والتفسير واعتماد السببية والعقلانية كما انها تحرر المدرس والطالب من الاتمتة والحفظ الآلي والخوف من التعبير عن النفس وبالتالي تسهم في بناء شخصية واثقة وقادرة على اتخاذ القرار .
- ارساء اسس علمية للبحث العلمي وللدراسات العليا وربطها بحاجات سوق العمل وحاجات المجتمع واعطاء اولية إلى البحوث التي تهدف الى تنقية فكرنا من الظواهر المتخلفة، والى تطوير قيمنا الاجتماعية لكي تسهم الجامعات فعلا في اعمار البلد وتنميته ودفع عجلة التقدم فيه الى الأمام.