المنبرالحر

التاريخ يعيد نفسه / ابراهيم الخياط

عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم (61- 101هـ) كان ثامن الخلفاء الأمويين. ولد في المدينة، وولّاه الخليفة الوليد بن عبد الملك عام 87 هـ على إمارتها، ثم على الحجاز كلها، ثم عُزل عنها لينتقل إلى دمشق. فلما تولى سليمان بن عبد الملك الخلافة قرّبه وجعله وزيراً ومستشاراً له، ثم عيّنه ولي عهده، فلما مات سليمان عام 99هـ تولى عمر الخلافة.
تميز عهده بالعدل وردّ المظالم وعزل الولاة الظالمين ومعاقبتهم، كما أعاد العمل بالشورى، ولذلك عدّه كثير من العلماء خامس الخلفاء الراشدين. وقد استمرت خلافته سنتين وخمسة أشهر وأربعة أيام، ليقتل مسموماً، فيتولى يزيد بن عبد الملك الخلافة من بعده.
تربى على أيدي كبار فقهاء المدينة وعلمائها: صالح بن كيسان، عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، سعيد بن المسيب، وبلغ عدد شيوخه ثلاثة وثلاثين؛ منهم ثمانية من الصحابة والآخرون من التابعين.
تأثر لموت عمه عبد الملك وحزن عليه حزناً عظيماً، ولكنه قال: عاهدت الله ألا أعمل بمثل عمله إن وليت. وحتى ان سبب إعفائه من ولاية المدينة، أنه رفض مرور أمير الحج سنتئذ الحجاج بن يوسف الثقفي على المدينة، لأنه كان يرفض ظلمه، وهو القائل فيه: «لو أتت كلّ أمة بخبيثها وأتينا بالحجاج لغلبناهم»، ما دفع الحجّاج أن يكيد له.
كان أول أعماله إيقاف التوسع في المناطق النائية، وسحب الجند من الثغور، وغضّ النظر عن فتح القسطنطينية. كما كتب بإخلاء الأندلس من المسلمين إذ خشي تغلّب العدو عليهم، وكتب إلى والي خراسان يأمره بإقفال مَن وراء النهر من الجند، وكان يقول: «إن الله بعث محمداً داعياً ولم يبعثه جابياً».
بدأ عهده بالبيت الأموي، فجمعهم وطلب إليهم أن يُخرجوا ما بأيديهم من أموال وإقطاعيات، ثم ردّ «فدك» على ولد فاطمة، وترك لعن الإمام علي على المنابر، وأعطى بني هاشم الخمس.
وعن سبب موته قيل أنه سُقي السم، لأن بني أمية تبرموا به وضاقوا ذرعاً بسياسته. فقضى نحبه وهو ابن أربعين سنة، وترك زوجة تفتخر أنها زوجة خليفة وحفيدة خليفة وبنت خليفة وأخت أربعة خلفاء.
مع ذلك فهو كغيره من الخلفاء تبوّأ منصبه بغير حق، كما لم يؤسس لعهد عادل أو يخلف ولي عهد عادل، وكأنه كان يمثل مشهدا مسرحيا. وبئس ما فعل حين قرّر عدم تولية المسيحيين لأي منصب، كما منعهم من لبس الأخضر وركوب الخيل المسرّجة، وصادر أملاك الكنائس والأديرة.
جاء عمر بن عبد العزيز إلى الحكم ضمن محاصصة بغيضة، وكان جزءا من المنظومة الفاسدة ذاتها، وحتى إصلاحاته كانت مبتورة عرجاء، وليست أكثر من خطوات ترقيعية. وما نفذ منها سرعان ما تم الانقلاب عليه، لأنها لم تكن خطوات جذرية. وهو لم يكن أفضل من سابقيه، بل ان ما ميّزه عنهم هو كونه أعور بين عميان.