المنبرالحر

ملف ألكتروني / قيس قاسم العجرش

ليس بعيداً عن الظهور الأول للتلفزيون، بدأت الكتابات البحثية المتعلقة بتأثيره واعتباره آخر صيحة من صيحات الميديا والإعلام.
كثيرون كتبوا واشتغلوا في هذا المجال، حتى جاء (جورج غاربنر 1960) وجمع المحاصيل الثقافية هذه في أولى النظريات التي أطلق عليها ( الغرس الثقافي). وملخصها أن التعرّض للتلفزيون بصورة مكثـّفة سيؤدي الى إزاحة الحقائق التي بنيت بصورة منطقية لصالح( الحقائق الإفتراضية) التي يغذيها التلفزيون.
بعد ذلك كتب (جان بودريار) مقاله الشهير( حرب الخليج لن تقع) وأردفها بالتكميل لها بأنّ
( حرب الخليج لم تقع!).
وهو قد شرح هذا التناقض ببساطة حين قال إنه لو كان محتجزاً في غرفة تقع على الحدود العراقية الكويتية أثناء حرب الخليج لما تمكن من رؤية الفضائع التي نقلتها شبكة (سي أن أن). باختصار، وصف بودريار نظرية (فرط الواقع) التي يتسبب بها التلفزيون.
وآخر النظريات التي كتب فيها كتّاب عرب، هي ان التلفزيون يؤدي الى (تسطيح الوعي) وتنميطه. فالأفلام العربية قدّمت شخصية الضابط في معظم الأحيان على أنه ( شهم ولا يظلِم إلا في الحدِّ الأدنى) بينما قدّمت شخصية ( المِعلّم) في الحارة الشعبية بأنه شخصية شر في معظم الأحيان.
وهي تشارك أي مجتمع قليل الوعي في مسألة تجذر القناعات التي تفرضها.
هذه العدوى، انتقلت في النهاية الى عموم الميديا.
بدأت العدوى تستشري في الصحف والمواقع والمنابر الإعلامية. أقصد بها عدوى التعامل مع قشرة الأخبار وشكلها الخارجي وتحويلها حرفياً الى ملف الكتروني يجري تداوله بلا جديد.
لدينا قائمة طويلة بهذه المواضيع التي تتداولها وسائل الإعلام بلا روح وبلا إضافة وبلا إستقصاء وبلا تحري يحمل اليها (قيمة مضافة).
لنتذكر مثلاً، التعديلات الدستورية، ملف النازحين، ملف المناطق المتنازع عليها، ملف المصالحة، ملف المهجّرين، ملف التعويضات لضحايا الأعمال الإرهابية، ..ووو ..وقريباً أضيف لها ملف الإصلاح ومكافحة الفساد.
الصحافة الحقيقية هي التي تتفادى السقوط في ورطة التسطيح والتنميط والتكرار والتقليد والملل.
الصحافة الحقيقية بالتالي هي التي تحرّك الاشياء، بدلاً من الإنتظار حتى تتحرك فتكتب عن تلك الحركة.
الصحافة الحقيقية تظهر فقط مع الإرادة الحقيقية ببناء نظام ديمقراطي قابل لإصلاح نفسه. وحتى ذلك الحين، فمن الصعب جداً الحديث عن إصلاح حقيقي ناجع.