المنبرالحر

الوقوف في منتصف الطريق لن يرضي أحداً / مرتضى عبد الحميد

شجرة السياسة في العراق غير مثمرة في اغلب الأحيان، ومع ذلك يحاول البعض أن يجعلها عاقراً إلى أبد الآبدين. خاصة في هذا الزمن الكئيب، حيث تعتلي أغصانها أصناف عديدة من البوم والغربان، مبشرة العراقيين بحقبة ربما هي الأسوأ في تاريخهم القديم والحديث.
فأينما وليت وجهك، لا ترى إلا الخراب والفساد، وبيع الضمائر بالجملة، بعد أن اقفلوا سوق البيع بالمفرق! فنشأت لهؤلاء المتنفذين مصالح طبقية وسياسية على حساب بؤس الشعب وإملاقه. وبطبيعة الحال لا يكتفي اللص بما لديه حتى لو أصبح مليونيراً، ولهذا تراه يلجأ إلى كل الوسائل والأساليب غير النظيفة، للوصول إلى هدفه، بما فيها الشحن الطائفي، وتزييف الوعي، وإشاعة قيم التخلف، والاستقواء بالمليشيات وبالأجنبي، عربياً كان، أم اقليمياً، أم دولياً.
وعلى هذه الخلفية القاتمة، انطلقت حركة الإصلاح الشعبية، مطالبة بتحقيق ثالوث الخدمات، وإصلاح العملية السياسية، ومكافحة الفساد والمفسدين.
وكما هو معروف استجابت السلطتان التنفيذية والتشريعية، وقدمتا حزمتين من الإصلاحات، رغم أنهما لم تمسا جوهر المطالب الجماهيرية. أما السلطة القضائية فأدخلت نفسها في جوف حوت، لكي لا ترى ولا تسمع اي شيء، وهي المطالبة بالإصلاح قبل غيرها، لأنها مسيسة فعلاً، ورهينة المحبسين، محبس شعور العزة بالاثم، ومحبس من يحتفظ بسجلاتها وملفاتها الدسمة، الجاهزة للإشهار في أي وقت يراه مناسباً.
إن استجابة السلطة التنفيذية، وبشخص الدكتور العبادي لعملية الإصلاح كانت أفضل من (نواب الشعب) الذين ندموا على دعمه وإسناده، بعد المفاجأة التي صعقتهم، وجعلتهم يعقدون أسرع جلسة في تاريخ المجلس، وبحضور (297) نائباً، للموافقة على حزمة الإصلاحات التي قدمها، واضعين المزيد من العقبات في طريقها. الأمر الذي يدعو إلى تقدير حجم المعاناة والصعوبات والعراقيل التي يواجهها العبادي من قبل المعادين للإصلاح، وهم كثر، بل ان مصالحهم الأنانية الشخصية والفئوية والحزبية والطائفية، دفعت بهم وهم المختلفون حتى على لون السماء، إلى الوحدة في مواجهة مطالب الشعب وشرائحه الاجتماعية المختلفة، التي هي من البديهيات في حياة الشعوب الأخرى، مراهنين على الوقت، وعلى سطوة الملل والشعور باللا جدوى، الذي قد ينتاب المتظاهرين، وتناقص إعدادهم نتيجة عدم الاستجابة لهم، بالإضافة إلى وقوف السيد العبادي في منتصف الطريق آملين إجباره على العودة إلى المربع الأول.
إن المطالبين بالإصلاح هم الغالبية العظمى من العراقيين، والمرجعية معهم، والعبادي لا تنقصه الرغبة في عملية الإصلاح السياسي والإداري، لكن الوقوف في المنتصف لا يحقق شيئاً، سوى انه يرجح كفة المعادين والمتضررين من الإصلاح الذين لديهم مناصروهم وامتداداتهم في كل مؤسسات الدولة، وفي خارجها أيضا من رجالات الكومبرادور، وكل الطفيليين في المجتمع.
السير إلى أمام، والاستجابة لمطالب الجماهير العادلة والمشروعة، هو الطريق الذي لا طريق غيره، لإنقاذ العراق شعباً ووطناً وحضارة من المأساة الراهنة، وساعتها سيرى العبادي ان الجميع معه، واضعين أعداءه وأعداء الإصلاحات خارج المعادلة السياسية.