المنبرالحر

أزمة العولمة وفكرها النيوليبرالي (2-3) / فلاح علي

ان العولمة الرأسمالية كونها ظاهرة عالمية شديدة الاتساع والانتشار والتأثير، ولا يقتصر أثرها السلبي فقط على المجال الاقتصادي والمالى، وإنما تمتد تجلياتها الضارة ايضاً إلى كافة المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية والعسكرية والامنية في العالم، وسببت عدم استقرار سياسي واقتصادي وامني وأوجدت مشاكل ومخاطر على البلدان النامية وشعوبها .
اذن هنا يطرح سؤال : ماهي القوى التي بأمكانها مواجهة الآثار المدمرة للعولمة الرأسمالية المتوحشة ومقاومتها والعمل على انسنتها وكيف يتم ذلك او ما هي الطرق والوسائل والآليات لتحقيق هذا الهدف ؟ ان الإجابة على هذا السؤال أرى من وجهة نظري ان هنالك ثلاث قوى مؤثرة وفاعلة في العالم بمقدورها مواجهة المشاكل والمخاطر التي تواجه العالم والحد من التأثيرات المدمرة لأضرار العولمة . وهذه القوى بحكم ما تمتلكه من امكانيات وقدرات بمقدورها التأثير على الصعيد الدولي لمواجهة المشاكل الدولية والعمل على انسنة العولمة ، على ان توظف الامكانيات التي تمتلكها هذه القوى وتسخيرها لمواجهة العولمة من خلال التنسيق والعمل المشترك من هي هذه القوى :
القوة الأولى : الراي العام العالمي الذي يمثل قوة كبيرة فاعلة ومؤثرة على كوكبنا ، ويشكل قوة ضغط معولمة بأمكانها التأثير على السياسات وتغييرها وتغيير مسار الاحداث والتوجهات . وأكدت احتجاجات سياتل لمواجهة توجهات منظمة التجارة العالمية في تحرير تجارة البلدان النامية ، على الدور الكبير المؤثر للراي العام العالمي وفاعليته في تحديد الأولويات على الصعيد الدولي لصالح البلدان النامية ولصالح حياة الشعوب وانهاء الفقر وتحسين معيشتها. ان المقاومة للعولمة الرأسمالية من قبل ملايين البشر المنضوية في جماعات سميت بالجماعات المناهضة للعولمة والذين تضرروا منها والتي ضمت احزاب يسارية ونقابات عمالية ومهنية مختلفة وأنصار البيئة والسلام والعنصر المحرك لها هم الشبيبة من كلا الجنسيين . بما ان العولمة يقف ورائها تكتل راس المال واحتكارات ودول رأسمالية ، فلا بد من ان تواجهها عولمة مقاومة ونضال يمثلها تضامن الراي العام العالمي الذي له فعل تغييري في مسار الاحداث وتحديد الاولويات .
اما على الصعيد الداخلي على مستوى كل بلد : ان منظمات المجتمع المدني في ذلك البلد وما تضمه من احزاب واتحادات ونقابات عمالية ومهنية ومنظمات شبابية من كلا الجنسيين ومثقفون واعلاميون بمقدورهم من خلال التنسيق المشترك في تعبأة اوسع فئات الشعب . وان كان من مثال بهذا الخصوص هو الحراك الجماهيري الجاري اليوم في العراق اكد على قدرة الراي العام في هذا البلد العراق على تأثيره في توجهات سياسة الحكومة وصنع الفعل والتغيير . بضغطة الجماهيري على الحكومة اجبرها على تبني سياسة الاصلاح ، وبغض النظر ان الحكومة تنجح او تفشل في تحقيق الاصلاح ولكن الحقيقة الواقعية اكدت ان الحراك الجماهيري الذي مثله الراي العام العراقي هو الذي ضغط على الحكومة ووجه سياستها نحو الاصلاح ومحاربة الفساد وتوفير الخدمات واصلاح القضاء ، ان الاسراع في عمليات الاصلاح تتوقف على اتساع الحراك الجماهيري وزيادة فاعليته وضغطة.
القوة الثانية : هو الاعلام ووسائل الاتصال الحديثة انها تلعب دوراً فاعلاً ومؤثراً على الساحة الدولية وفي تعبأة الراي العام العالمي والمحلي ، هنا المقصود بالإعلام الذي تمتلكه القوى والمنظمات المناضلة ضد العولمة الرأسمالية وفكرها النيوليبرالي . من خلال الحقائق التي يطرحها الاعلام على الراي العام بوضوح وشفافية انه يسرع في تعبأة الملايين ويمكن من تشكيل قوة ضغط عالمية لمواجهة العولمة الرأسمالية واضرار فكرها النيوليبرالي واضرار الفكر المتطرف والطائفي ، ان لوسائل الاتصال الحديثة التكنولوجية تأثيرها الإيجابي في النضال ضد العولمة الرأسمالية ان تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات سهلت على الملايين من البشر ومنظماتها في تشكيل شبكة تواصل عالمية وزادت من فاعليتهم في التأثير وصنع الفعل المحلي والدولي .
القوة الثالثة : المؤثرة على الصعيد الدولي هو التعددية القطبية : ان الحديث حول ضرورة واهمية التعددية القطبية في العلاقات الدولية هو واسع وشامل لا يمكن تغطيته في هذه المقالة ، لا سيما عند التوقف في تناول المخاطر والمآسي والمشاكل والصعوبات والازمات التي تعرضت لها بلدان العالم وبالذات النامية وشعوبها في ظل هيمنة نظام القطب الواحد ، وما تعرضت له من حروب خارجية وحروب اهلية وانتهاك سيادات وطنية وتدخلات خارجية ونهب ثروات وارهاب وهيمنة الاحتكارات الدولية وما نتج عنها من استغلال لدول وثرواتها وتنامي الفقر والفكر المتطرف وخلق ازمات سياسية واقتصادية واجتماعية ...... الخ . ان كوكبنا وشعوبه بحاجة اليوم اكثر من اي وقت مضى الى نظام التعددية القطبية في العلاقات الدولية ان اهمية التعددية القطبية تكمن في اعادة التوازن الدولي ، ان التوازن الدولي يساعد على ضمان ايجاد استقرار سياسي وأمني في العالم ، وان للاستقرار السياسي والامني تأثير في خلق استقرار اقتصادي عالمي ، ان التعددية القطبية تفرض على الدول احترام المواثيق والمعاهدات الدولية وتضمن اقامة علاقات متكافئة ما بين الدول واحترام استقلالها وسيادتها وعدم التدخل المنفرد في شؤونها الداخلية ، وللتعددية القطبية دور هام وحاسم في التأثير على مسار عمل المنظمات الدولية وعلى آلية عملها كمنظمة الامم المتحدة ومجلس الامن على سبيل المثال وعلى تفعيل دورها والالتزام بمواثيقها ومبادئها ومنظماتها التابعة وقوانينها والتأثير فيها ايجاباً لتكون اكثر عدلاً وانسانية فيما يخص التعامل مع البلدان .
اما الشطر الثاني من السؤال كيف او ما هي الطرق والوسائل لتحقيق الهدف : ارى من وجهة نظري ان المدخل لهذا الجواب يكمن في ان التعددية القطبية ستخلق آفاق رحبة وواسعة للعمل الجماعي الدولي المشترك على صعيد بلدان العالم ، وبلا شك لها تأثير ايجابي على صعيد تحرك وتضامن الراي العام الدولي . ان التعددية القطبية التي ظهرت اليوم ويتلمسها العالم اجمع كقوة سياسية ودبلوماسية واقتصادية ومالية وتكنولوجية وعسكرية واعلامية فاعلة انها قد أثرت على تطورات مسار الاحداث في العالم .وان التعددية القطبية اعطت وستعطي قوة دفع لكثير من البلدان النامية في انتهاج سياسة مستقلة تحررية لأن مصالح بلدان الدول النامية وشعوبها تتعارض مع العولمة الرأسمالية وفكرها النيوليبرالي ونظام القطب الواحد ، لا سيما ان بلدان العالم الثالث من خلال هذه الحقبة التاريخية المأسوية من هيمنة نظام القطب الواحد ، بدأت تدرك اهمية التعددية القطبية في حفظ الامن والاستقرار والسلام وضمان سيادة واستقلال البلدان وتطورها الاقتصادي المستقل . لاسيما ان وجهة القوة الثانية التي ظهرت اليوم في نظام التعددية القطبية ومثلتها روسيا وستلتحق بها الصين لاحقاً هو معارضتها للعولمة الرأسمالية ، ورؤيتها الاقتصادية والمالية وحتى العسكرية والامنية وان كان من مثال حي بهذا الصدد هو : عند بروز روسيا كقطب دولي، ظهر معها قوة اقتصادية عملاقة دولية تمثلت في تأسيس معاهدة اتفاقية (بريكس) المكونة من خمسة دول وهي ( البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب افريقيا ). ان هذه القوة ماضية لمواجهة العولمة الرأسمالية والتقليل من تأثيراتها السلبية على الصعيد العالمي . فنرى ان وجهة هذه الدول في المجال الاقتصادي مثلاً هو العمل على اصلاح النظام الاقتصادي والمالي الدولي ليكون اكثر عدلاً ويحقق اقامة علاقات اقتصادية وتجارية متكافئة بين بلدان العالم. هذه هي خطوة فاعلة ومؤثرة لمواجهة تأثيرات العولمة السلبية . العولمة اليوم يواجهها تحد واسع من قبل مليارات من البشر في العالم اجمع اضافة الى دول ،من هنا تأتي اهمية العمل الجماعي الدولي لمواجهة خطر العولمة الرأسمالية وانسنتها .
اين تكمن اهمية العمل الجماعي الدولي :
ان بتحول الرأسمالية الى الامبريالية قد أدت في عصرنا الحالي إلى تأسيس اتحادات احتكارية للشركات العابرة للقارات والتي تحتل المواقع الحساسة والحاسمة في الحياة الاقتصادية لكل دول العالم وليست فقط دول الرأسمال . وبما ان العولمة الرأسمالية وفكرها النيوليبرالي يعبران عن مصالح الرأسماليين والاحتكارات ودولها التي هي بعدد اصابع اليد. والمتضرر منها كافة بلدان العالم وشعوبها .ان مسار الاحداث يؤكد ان دول العالم النامي وبلدان اتفاقية بريكس وغيرها من بلدان العالم وشعوبها، تدرك تماماً ان المدخل الوحيد لفرض الاستقرار السياسي والاقتصادي والامني ولمواجهة الازمات الدولية يكمن في العمل الجماعي الدولي المشترك من خلال المؤسسات الدولية والمؤسسات الدستورية الديمقراطية على صعيد كل بلد . من هنا تبرز اهمية العمل الجماعي الدولي لمواجهة تأثيرات العولمة الرأسمالية من خلال المؤسسات الدولية ، حيث تصبح وجهة المؤسسات هي ايجاد حل جماعي دولي للمشاكل الدولية انطلاقاً من ان المشاكل هي مشتركة تهم كل دول وشعوب العالم ، كما انه من خلال المؤسسات تتوفر امكانية دولية على تهيئة مناخ للتعاون الدولي لتعديل بعض قواعد عمل مؤسسات العولمة واصلاحها . وتتوفر امكانية اكبر امام دول العالم في الضغط على تبني انظمة عالمية عادلة وانسانية . والعالم في ظل التعددية القطبية تفتح امامه آفاق واسعة للتنسيق والتعاون الدولي ، هذا المناخ يمكن المؤسسات الدولية من فك اسرها من هيمنة نظام القطب الواحد الذي حكم العالم من تسعينات القرن الماضي .والمثال الحي كما نراه اليوم هو عمل مجلس الامن الدولي ، حيث انتهى التفرد في اتخاذ القرار داخل المجلس ، وحل محله التنسيق والتشاور في حل كثير من المشاكل الدولية ومنها على سبيل المثال حل ازمة المشروع النووي الايراني وبعض الازمات السياسية في اوربا الشرقية والازمة السورية حيث بالتنسيق والتعاون بين اعضاء مجلس الامن أوقف التدخل العسكري الخارجي من قبل قوات الناتو في سورية . وهذا بخلاف ما حصل في ظل نظام القطب الواحد حيث تم غزو العراق واحتلاله بدون قرار من مجلس الامن ان التعددية القطبية تمثل عنصر ضابط للاستقرار الاقليمي والدولي .
(يتبع)
13-11-2015