المنبرالحر

حذف الأصفار / محمد شريف أبو ميسم

هنالك ضرورة ملحة لحذف الأصفار من العملة في الوقت الحالي، هذه الضرورة تكمن في حجم الكتلة النقدية المتداولة في السوق المحلية والتي لا تشجع على الحيازة والتداول أمام العملات الأخرى، ما يدفع التجار ورجال الأعمال والشركات باتجاه الدولار الأمريكي وبالتالي زيادة الطلب عليه ما يعني ارتفاع سعر الصرف على الرغم من زيادة مساحة العرض من خلال منافذ بيع الدولار ، اضف الى ذلك زيادة الطلب على الدولار الناجمة عن حاجة تجار كل من ايران وسوريا (المحاصرتين) للعملة الصعبة بهدف تمويل تجارتهم الخارجية ، حيث يجدون ضالتهم في السوق العراقية بحكم التشابك في العلاقات الاقتصادية والاجتماعية بين البلدين. والحاجة لحذف الأصفار لا تقف عند هذا الحد فزيادة الثقة بالعملة العراقية ربما يدفع باتجاه التعامل بها مع دول الجوار وتحديدا تلك التي يزداد التبادل التجاري معها ، ما يعني المزيد من السلع والخدمات الداخلة للبلاد مقابل النقد العراقي، بجانب الأهمية البالغة للتخفيف من أعباء وكلف نقل العملة من والى المصارف والبنك المركزي وحمايتها بأرتال من القوات المسلحة جراء حملها بكميات كبيرة من الأكياس في وضع أمني متوتر، حيث تشكل العملة الحالية كتلة نقدية كبيرة تقدر بـ30 تريليون دينار، الأمر الذي لا يشجع المستثمر أو الزائر لحيازتها أو التعامل بها في قضايا التجارة والأعمال.. أضف الى ذلك فان هذا الكم من العملة لا يشجع المصارف على ادخال تقنيات حديثة في التداول مثل تقنية الصراف الآلي ، لأن أجهزة مثل هذه مصممة في كل دول العالم على حيازة كميات معينة من النقد مما يعني ان عملية افراغ وتعبئة خزائن هذه الآلات ستكون متكررة يوميا ولا يمكن أن تؤدي وظائفها بعد انتهاء الدوام الرسمي بساعات كثيرة لاحتمال افراغها من محتواها في قليل من الوقت .وعلى الطرف الآخر من كل هذا فان عملية تغيير العملة تحتاج الى نظام مصرفي دقيق وجهاز تنفيذي نزيه وقانون محكم يقدمه البنك المركزي الى الحكومة الاتحادية ، وهذه بدورها تقوم بعرضه على الخبراء والمستشارين في رئاسة الوزراء لدراسته وتقييم امكانية تنفيذه دون اختراقات مصرفية أو أمنية ومن ثم تقديمه الى مجلس النواب الذي سيخضعه لمدى فائدة الكتل السياسية وخصومها من تشريعه وبالتالي احتمال العمل على خنقه في الأدراج كما القوانين الحبيسة التي سبقته ، أو ربما دفعه بشكل سريع بما يتناسب وحجم الفائدة التي ستتحقق للكتل التي ستصوت عليه .ومن المحتمل ان ينقلب المطالبون بتغيير العملة في هذه الأيام والذين عرفوا بمعارضتهم للحكومة الحالية ، الى معارضين اذا ما علموا ان تغيير العملة سيصب في مصلحة خصومهم، بدعوى ان قوى نافذة ستستولي على منافذ تبديل العملة وستقوم بتمرير عملة مزيفة وستلحق الضرر بالاقتصاد الوطني، خاصة وان الوقت غير مناسب لمثل هكذا مشروع في أجواء يتفشى فيها الفساد في كل مؤسسات الدولة .. وربما سنرى قوى أخرى غير متحمسة لتغيير العملة وليست معنية بهذا الأمر، ستكون بموضع المدافع عن هذا المشروع (الذي سيخدم الاقتصاد الوطني) اذا ما علمت انها ستتمكن من جني الأموال في منافذ التبديل.ان مثل هكذا مشروع مهم للاقتصاد الوطني في الظرف الراهن، يتطلب قبل كل شيء الاحساس بالمسؤولية والانتماء الحقيقي لهذا البلد ، ويتطلب قوة وشجاعة للقائمين عليه، لغلق المنافذ على الوصوليين والانتهازيين والفاسدين، وقبل هذا وذاك يتطلب ارادة وطنية موحدة ، ومثل هذه الارادة الجمعية افتقدناها منذ عششت الانتهازية والنفعية والطائفية في عقول الكثير.. وبالتالي فاننا نخشى أن تتكرر تجربة استبدال العملة في زمن النظام المقبور ، حيث نضجت على اثرها رساميل وامتلأت من خلالها كروش على حساب المال العام .