المنبرالحر

خان جغان / ابراهيم الخياط

في العهد العثماني كانت ثمة انجازات ترتبط بأسماء الحكام. فجريدة (زوراء) مثلا ارتبطت بإسم الوالي العثماني مدحت باشا. وكان هناك وال آخر اسمه جغالة زاده سنان باشا ارتبط اسمه بانجازات أخرى، فقد افتتح أول محل حلاقة ببغداد، حين أمر الحلاق أن يمارس عمله في محل خاص به ويستقبل فيه زبائنه لحلاقة شعرهم وذقونهم، بدلاً من حمل مستلزمات الحلاقة والتجوال في الأزقة، أو ممارسة المهنة على قارعة الطريق.
كذلك أمر ببناء أول مقهى في بغداد، ذاك الذي كان يقع قرب شريعة (الگمرگ) على شاطئ نهر دجلة من جهة الرصافة، أي جوار المدرسة المستنصرية. وكان يقدم القهوة بالفناجين وليس الشاي كما المعتاد الآن، فانتشرت أغنية بغدادية أثيرة:
علو تخت حبي يا أهل الگهاوي
وشوگع الفنجان.. منك يا غاوي
كذلك اشتهرت اللازمة الغنائية العذبة:
يا گهوتك عزاوي
بيها المدلل زعلان
وكان المتعارف عليه أيام الاحتلال العثماني ان من يتولى ولاية بغداد، لا بد له من إيجاد مصدر مالي يسد منه نفقاته. وكثيرا ما كان وجهاء بغداد يتبرعون لهذا الوالي أو ذاك، بدار أو خان ليستفيد من إيجاره أو يبني هو ما يريد، مثل والينا هذا (جغالة) الذي أمر عام 1593 ببناء خان لزوار بغداد للإقامة فيه مع رواحلهم، وسمي بخان جغاله وبمرور الوقت صُحّفت إلى (خان جغان).
كان يقع هذا الخان على مفترق طرق السابلة من التجار بوجه خاص والمتبضعين بوجه عام، فالذاهب إلى الشورجة يمرّ به، والذاهب إلى شارع النهر (شارع السموأل) الذي كان يضم دور وقصور الوزراء والحكام وعلية القوم، الى جانب دوائر الدولة ومنها الدفتر دار أكبر الدوائر في العهد العثماني، وهي الآن عمارة كبيرة تحمل اسم «الدفتر دار». عموما كان موقع الخان يحتم على الحشود البشرية المرور به، الى جانب كونه في آخر أيامه أصبح خانا للمسافرين، فكان يأتيه الكثير منهم وبمختلف انتماءاتهم القومية والدينية والاجتماعية، أي كلّ من هبّ ودبّ. حتى أطلقت العامة تهكما مثلها المشهور (قابل الجنة خان جغان ياهو اليجي يدخلها).
اليوم، وبعد 522 عاما من تأسيس (خان جغان) إذا به يتمدد فتأخذ جدرانه شكل حدود العراق. حتى صرنا نسمع العراقيين يتساءلون كثيرا الآن وبمرارة، خاصة بعد واقعة زرباطية والتدخل العسكري التركي.. «شنو يابه .. العراق صار خان جغان؟»!