المنبرالحر

نحو فهم جديد للديمقراطية/ عبد العزيز لازم

من التاريخ
شغلت الديمقراطية حيزا واسعا في الفكر البشري منذ ظهور المصطلح على يد الأغريق الذين قدموا تعريفا مفاده ان الديمقراطية هي حكم الشعب ثم تبلور كنظام سياسي يمارس الشعب بموجبه الحكم عن طريق حكومة يختارها. ولم تتوقف التغيرات في شكل الديمقراطية الى يومنا هذا وكان الواقع الموضوعي وتغيراته وقوانينه هو الذي يفرض هذه التغيرات، فمثلا لم يكن في اليونان وروما في بداية حكم الجمهورية حكومة برلمانية اي لم يوجد نواب في الحياة السياسية اليونانية والرومانية في مراحلها الأولى بسبب صغر حجم دويلات المدن " كان تعداد دويلة المدينة لا يتجاوز العشرة آلاف نسمة " فكان الجمهور يعطي صوته على الهواء في تجمعات شعبية داخل المدن. ولم يمنح العبيد والنساء حقوقا سياسية في تلك الحقب رغم انهم كانوا يمثلون الاغلبية وهذا دليل على ان الديمقراطيات القديمة لم تضمن المساواة لجميع الافراد.
وبعد ان انتهت الدولة الرومانية الى دولة استبدادية حافظت المدن الايطالية الحرة والمانيا وبلاد الفلاندرز على بعض القيم الديمقراطية التي برزت في القرون الوسطى. وبعد نهاية عهد العبودية لم يعد العبيد يشكلون فئة رئيسة بين السكان. وعلى أنقاض عهد الاقطاع في اوربا برزت طبقة تجارية وسطى غنية تمتلك المال والوقت الضروري للاسهام في الشؤون الحكومية. وكان من نتائج ذلك استعادة روح الحرية القائمة على الديمقراطية في اليونان وروما.فتكونت مفاهيم حول المساواة في الحقوق السياسية والاجتماعية، والتي تم تحديدها في عصر النهضة، حيث تمت تغذية التطور الانساني بها ثم في حركة الاصلاح التي تضمنت فعاليات الصراع من أجل الحرية الدينية.
بدءاً بالتمرد الشعبي ضد الملكية الانكليزية عام 1642 الذي بلغ ذروته باعدام الملك تشارلز الاول، ادت الاعمال الثورية ضد الملكيات الأوتوقراطية الاوربية الى إنشاء حكومات ديمقراطية تمثيلية. وكان من نتائج ذلك تحرير السياسة والنشاط السياسي من هيمنة الدين والعرقية والسلفية، واضعة حدودا واضحة بين القديم والجديد في اسلوب الحياة البشرية. أما في الشرق فقد اطلقت ثورة اكتوبر الاشتراكية مفهوما ثوريا جديدا للديمقراطية تحت عنوان " دكتاتورية البروليتاريا" ورغم ان المصطلح يحمل تناقضا ظاهرياً في اللفظ الا إن ثوريي اكتوبر وجدوا ان الطبقة العاملة تمثل اغلبية السكان وتمثل نظريتها مطامح فئات اخرى تدخل في تحالف سياسي اقتصادي اجتماعي معها خاصة طبقة الفلاحين الذين يسهمون مع العمال في انتاج الخيرات المادية. واكتشف منظرو الثورة وعلى رأسهم لينين ان هناك مصلحة لكل من العمال والفلاحين في ان يتحالفوا تحالفا تاريخيا وينضم الى هذا الحلف العسكريون والمثقفون الثوريون وغيرهم من الفئات المؤمنة بالثورة الوطنية الديمقراطية ويسهموا في بناء مرحلتها ومن ثم الانتقال الى الاشتراكية. لذلك فإن الدولة العمالية كما قال لينين هي اول دولة تدافع عن حكم أغلبية السكان ضد اقليات مستغِلين ومضطهِدين من موظفين ذوي امتيازات عالية، قادة، وقادة جيوش. ويمكن لهذه الأغلبية نفسها ان تضطلع مباشرة بمهام الدولة التي تدافع عن حقوق الأغلبية، وبقدر ما يمارس مجموع الشعب وظائف السلطة بقدر ما تتضاءل ضرورة تلك السلطة. ويدرك الماركسيون على ضوء ذلك إن مؤسسات الدولة في الدول البرجوازية حتى اكثرها ديمقراطية، تحافظ على سلطة وهيمنة الراسمالية، إضافة الى الاستغلال الإمبريالي لشعوب البلدان المستعمرة وليس من شأنها أن تفيد كاداة للإطاحة بهذه الهيمنة ولنقل السلطة من الطبقة البرجوازية الى الطبقة العاملة. إن دكتاتورية البروليتاريا هي اول ديمقراطية في العالم تكتسب المحتوى الاقتصادي الاجتماعي الهادف الى تحقيق العدالة الاجتماعية وتمتلك برنامجا للتطور الاجتماعي ينتصف للناس العاملين وغير العاملين. بينما بقيت الديمقراطية البرجوازية الغربية وغير الغربية عاجزة عن تحقيق العدالة الاجتماعية وتقليل الفجوة بين الفقراء والاغنياء بسبب طبيعة وظيفتها الهادفة الى الحفاظ على النظام الرأسمالي وإدامته.إلاان ديكتاتورية البروليتاريا قد تم امتصاصها وافراغها من محتواها بسبب سيادة البيروقراطية والديكتاتورية الفردية إبان الحقبة الستالينية وما بعدها حيث تفشت النزعات الفردية في الحكم وغلبت المصالح الحزبية والشخصية لدى القائمين على شؤون البلاد على غيرها من المصالح العامة.
أزمات وحلول
إستطاعت الديمقراطية البرجوازية ايجاد مواطىء قدم لها في البلدان المستعمَرة وشبه المستعمرة حيث أقنعت شعوب هذه البلدان بأن الديمقراطية تؤسس حدودها عند صناديق الاقتراع وتكوين المجالس التمثيلية البرلمانية دون ان تمس جوهر المشكل الاقتصادي والاجتماعي باتجاه تحقيق العدالة الإجتماعية.لذلك فإن هذه الديمقراطيات البرجوازية عجزت عن حل مشاكل شعوبها وبقيت العلاقات الاقتصادية قائمة على التفاوت الطبقي وعدم المساس بمصالح الطغمة المستغِلة على اساس برنامج مفصل واضح لإعادة توزيع الثروة لصالح الفقراء وهم الأغلبية في ظل العلاقات الراسمالية. لقد اثبت اقتصار الديمقراطية على الإجراءات الشكلية كالاقتراع والتصويت والدعاية الانتخابية وحساب الاصوات والنسب المتولدة أنه يحد من تفعيل المحتوى الاجتماعي للديمقراطية . من هذه القضية تتفاعل ازمة متصاعدة تسهم في تعطيل ثمار الديمقراطية لصالح الاغلبية، بل إن الديمقراطية بشكلها التقليدي اصبحت بسبب هذا الشلل وسيلة غير أمينة لصعود قوى سياسية تكرس خططها وعملها لخدمة مصالحها الحزبية والشخصية الانانية التي تتعارض مع مصالح الناس.
يعتقد الماركسيون بان الديمقراطية لا تتحقق بدون المجتمع المدني، لكن المجتمع المدني وبناء كينوناته يتوقف على حركة التاريخ المعقدة. فعندما ادت الثورة الصناعية الكبرى في القرن التاسع عشر الى إقصاء الإنتاج الحرفي البسيط وإحلال الإنتاج الواسع محله اتسع نطاق العلاقات الاقتصادية والإنتاجية، وهذا ادى بدورة الى إيجاد علاقات إجتماعية حديثة ومختلفة بعيدا عن تاثيرات الميول الدينية والعرقية. ويرى ماركس الذي اعتبر التاريخ إنتقالا من شكل مهيمن للملكية الى شكل جديد لها، إن المجتمع المدني هو حياة مادية خاصة في أزاء العلاقات العامة المجردة في الدولة الحديثة. وبعد الثورات البرجوازية ونتائجها اظهرت الماركسية التناقض الحاد بين الحداثة البرجوازية وبين المواطنة التي تعني المساواة بالنسبة للمواطن في ضوء التفاوت الشديد في شروط الحياة. وهذا يعني ان التحرر الحقيقي للفرد لايتحقق إلا بالتوافق بين شرط الحرية السياسية وشرط الحرية الاجتماعية. اي حين يكون أحدهما مكملا للثاني ومترابطا معه. ويمكننا ان نرى المشكلات الناتجة عن عدم استكمال التوافق بين هذين الشرطين واضحة اشد الوضوح في مجتمعات ناقصة التطور الاقتصادي وما يتبعه من نقص في تطور القوى المنتجة. إن تطور القوى المنتجة وهيمنة الانتاج الكبير يحقق هيمنة جارفة لعلاقات الانتاج على المجتمع، على اعتبار ان علاقات الانتاج هي المولد الاعظم للعلاقات الاجتماعية المدنية. وهكذا نرى ان ظهور علاقات الانتاج وتبلورها ووضوح بصماتها على حياة البشر يتوقف على تطور قوى الانتاج التي تعد قوة الجذب الإولى للقوى الاجتماعية. وفي مقابل قدرة قوى الانتاج المتطورة على تحديد أنماط السلوك الاجتماعي، يتواصل تراجع الافكار السلفية وتحجيم تاثيرها على العلاقات الاجتماعية فينحسر اثر المواقف السلفية والعرقية على مسيرة العلاقات بين الناس. إن من شأن الإنتاج الاجتماعي والنشاطات الاقتصادية والخدمية تحديد طبيعة الروابط الاجتماعية، وهذه إحدى أهم مميزات المجتمع المدني. ومن المميزات المهمة الإخرى هي العلاقة الوثيقة بينه وبين الديمقراطية . فإذا اعتبرنا الديمقراطية وسيلة لتحقيق التوافق بين المصالح المتنوعة وميزان لتصحيح المعادلة بين العام والخاص في كل جوانب الحياة سنرى إن الديمقرطية لا تتحقق الا في ظل المجتمع المدني الذي يتخذ مبدأ المواطنة أساسا في العلاقات والتوجهات وفي بناء مؤسسات الدولة، خاصة وإن المجتمع المدني يتعامل مع الدولة والحكومة على اساس ما يخدم مصلحته وليس على اساس القناعات الدينية او القومية. وبذلك يتم استبدال المعايير القائمة على الفكر السلفي بمعايير جديدة مثل الكفاءة والنزاهة والوطنية لتحديد الحقوق وإقرار المساواة بين المواطنين. أما ما يسعى اليه الفكر السلفي وتنويعاته فهو الغاء الآخر وتهميشه متعكزا على الثوابت الدينية التي لا يمكن تغييرها وعلى النعرات القومية أو حماية المجتمع من الافكار الدخيلة وهو ما يتعارض تماما مع الديمقراطية المرتبطة بالمجتمع المدني الراهن والمتمثل بتنوع المصالح والأفكار والتعامل مع الاختلافات بطريقة سلمية متحضرة مع نبذ العنف والتهميش وإلغاء الآخر، والتشبث بمبدأ التداول السلمي للسلطة وضمان الحريات وحفظ المصالح للجميع.
ونظرا للوضع الخاص في بلادنا المتمثل في تراجع قوى الانتاج بسبب التخلف الاقتصادي العام، دعا الحزب الشيوعي العراقي في جميع برامجه ومواقفه الى بناء الاقتصاد الوطني بتخليصه من الطابع الريعي وتوجيه موارد البلاد النفطية نحو بناء القاعدة الصناعية وتطوير الزراعة والسياحة سعيا الى تطوير قوى الانتاج وتخليص الاقتصاد من أحادية المورد وصولا الى بناء المجتمع المدني بالارتباط مع بناء الديمقراطية على اساس مبدأ المواطنة.
الحزب الشيوعي والمشروع الوطني الديمقراطي
دأب الحزب الشيوعي العراقي على ان يكون مخلصاً لتأريخه النضالي ومبادئه الماركسية في تفسير الظواهر وتقديم الحلول الواقعية للمشكلات على اساس التحليل العلمي لطبيعتها واتجاه تطورها . فمنذ ان اطلق مؤسس الحزب الرفيق الخالد فهد شعار الحزب المعروف : قووا تنظيم حزبكم قووا تنظيم الحركة الوطنية ! إنطلق مناضلو الحزب لتطبيق مضمون هذا الشعار على الواقع الملموس في مجال العلاقات الوطنية والساحة السياسية. ويؤمن الشيوعيون ايمانا راسخا ان هذا الشعار يؤسس المضمون الديمقراطي لسياستهم، فهم لا يسعون الى السلطة اومراكز التاثير العام طلبا للمغانم الحزبية الضيقة كما يجري الان من قبل القوى المتنفذة في بلادنا، بل يسعون الى المشاركة السياسية والاقتصادية والاجتماعية مع جميع القوى الوطنية المؤمنة بالديمقراطية لتحقيق برنامج متفق عليه لصالح الغالبية العظمى من السكان والمسحوقين منهم بخاصة، اولئك الذين لم يتم انصافهم سياسيا أوحقوقيا او اقتصاديا في جميع حقب الحكم السابقة. وجرى في الحقبة التاريخية الراهنة استباق التطورات العاصفة التي حصلت في البلاد إثر احتلالها من قبل قوى التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. وفيما يتعلق بموضوع البحث اول الديمقراطية انعقد المؤتمر الوطني الخامس للحزب عام 1993 ليشكل محطة رئيسة في عمل الحزب وسياسته فاطلق مفهومين مهمين ما زالا يشكلان المرنكز الاساس لسياسته وعمله وهما " الديمقراطية والتجديد" وقد أطلق على هذا المؤتمر عنوان " مؤتمرالديمقراطية والتجديد" الذي اجريت خلاله مراجعة شاملة وجريئة ساد فيها النقد المبدئي لمجمل سياسات الحزب ومواقفه السابقة. إن الطابع التحضيري للمرحلة الحساسة الجديدة التي سبقت ومن ثم تلت السقوط المدوي للديكتاتورية جعلت من الممكن تطوير هذين المفهومين ليصبحا مفهوم " الخيار الوطني الديمقراطي ثم " المشروع الوطني الديمقراطي " الذي صدر عن المؤتمر الوطني السادس المنعقد في تموز من عام 1997. إن صدور المشروع الوطني الديمقراطي الذي اقرته جميع مؤتمرات الحزب ومجالسه الحزبية اللاحقة يعبرعن المصداقية التاريخية لموقف الحزب من التطورات الواقعية التي جرت وتجري في البلاد حتى يومنا هذا. وليس صدفة ان تجري صياغة هذا المشروع انطلاقا من الاسباب الخارجية والداخلية التي تضافرت لصنع الوضع الجديد في بلادنا. فعلى الصعيد الداخلي عمل الانهيار المريع للبنى الاقتصادية وتفشي الفساد المالي والإداري والتحديات الأمنية وتردي الخدمات وارتفاع نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر وغيرها من العوامل الداخلية على ظهور ضرورة منطقيه لإصدار برنامج او مشروع وطني ديمقراطي لإصلاح العملية السياسية وتطوير الاقتصاد. كما ان العوامل الخارجية المتمثلة في انهيار تجربة البناء الاشتراكي في الاتحاد السوفيتي السابق ودول المنظومة الاشتراكية السابقة اضافة الى الأزمات المالية في النظام الرأسمالي العالمي والعولمة المتصاعدة في صيغتها الرأسمالية، كلها ساعدت على إحداث التاثيرات المدوية على العلاقات السياسية العالمية خاصة بعد انهيار القطبية الثنائية والفوضى التي نتجت عن ذلك.
لقد تضمن المشروع المفاهيم والاهداف التالية مأخوذة من وثائق الحزب الرسمية :
1- التاكيد على الخيار الديمقراطي من خلال التمسك بمبدأ التداول السلمي للسلطة، ونبذ العنف، واللجوء الى الطرق الديمقراطية السلمية في معالجة الخلافات والمشاكل التي تنشا بين القوى السياسية. ولاشك ان التاكيد على هذا الخيار يهدف الى تدشين الأرضية لمجتمع مدني تتعايش فيه فضاءات عدة وحرية تكفل وجود وتعايش كل " التيارات " السائدة في المجتمع من دون تهميش وإقصاء. ومن المبرر اليوم اكثر من اي وقت مضى أن يكون أحد الاهداف الأساسية بعد رحيل النظام الدكتاتوري هو وصول المجتمع السياسي الى مساومة تاريخية تهدف الى تحديد المبادىء والشروط لانبثاق حركة ديمقراطية قادرة على توضيح أسس المستقبل لحياة ديمقراطية تعددية تداولية، وتكون شرطا لوجود الأحزاب السياسية نفسها.
2- الدعوة الى إقامة نظام برلماني تداولي، يقوم على اساس الديمقراطية واحترام حقوق الانسان. في هذا الصدد ينطلق الحزب من مقاربة جديدة ونوعية تقوم على الإقرار بالديمقراطية والتداول السلمي للسلطة. وطبيعي ان ذلك لن يتحقق من دون إعادة بناء الدولة العراقية التي تحل محل الدولة الاستبدادية. ويفهم الحزب حقيقة أنه وبدون تحويل عميق وجذري لبنية الدولة العراقية الراهنة لن يتحقق اي تحول ديمقراطي في المستقبل، وبالتالي لن تتوفر الامكانية العملية لتحقيق مبدأ التداول السلمي للسلطة وبناء المؤسسات التمثيلية التي توفر ذلك التداول
3- الرهان على العامل الداخلي كاداة للتغيير ودعم قوى شعبنا المناهضة للدكتاتورية، باعتبارها القوى الحقيقية المعول عليها في إنجاز التغيير للخلاص من الدكتاتورية. فليس ممكنا تحقيق التغيير الجذري المنشود، دون وجود معارضة داخلية ناشطة، تلعب دورا مقررا بحشد قواها على اسس سليمة من التعاضد والكافؤ.
4 - الإعتراف بالحقوق القومية العادلة للشعب الكردي وحل القضية القومية حلا ديمقراطيا على اساس الفيدرالية لإقليم كردستان والحقوق القومية والادارية والثقافية للتركمان والاشورييين، وإزالة كل ما يعرقل احترام التنوع القومي والديني والمذهبي والطائفي.
5- بلورة عناصر اولية لحلول ملموسة للإشكالية الإقتصادية. من المفيد التأكيد هنا على أن البديل الذي يطرحه الحزب لايحلق بعيدا في الاحلام بل يصوغ مواقفه بصدد هذه الإشكالية إنطلاقا من الواقع الذي يعيشه الإقتصاد العراقي اليوم والذي يعاني ازمة بنيوية عميقة. إن العناصر الأساسية التي يتعين أن يتضمنها المشروع الإقتصادي البديل تؤشر القضايا التالية:
- توفير شروط إعادة تدوير عجلة الإقتصاد، وفي مقدمتها إعادة استتباب الأمن وتامين حماية الأرواح والممتلكات وحسن سير عمل القضاء.
- توظيف الريع النفطي ( العوائد النفطية) لأغراض الإستثمار والتنمية بالدرجة الاساس وتأمين الرقابة والإشراف عليه من قبل المؤسسات التمثيلية للشعب.
- مكافحة البطالة وجعلها الهدف الرئيس للسياسة الأقتصادية، وإعطاء الأولوية في البرامج الإستثمارية وفي خلق الحوافز للمناطق والقطاعات التي عانت التمييز والإهمال والعقوبات الجماعية في زمن النظام المباد.
- الإهتمام المكثف بتنمية الموارد البشرية وذلك بالتاكيد على تطوير العاملين ورفع كفاءاتهم عبر الإرتقاء بالنظام التعليمي وإيجاد برامج لإعادة التأهيل والتدريب المستمر وإشاعة استخدام التقنيات الحديثة وتشجيع البحث العلمي والإبتكار، وتخصيص الموارد المالية اللازمة لذلك.
- الـتأكيد على دور الطبقة العاملة وعلى مشاركتها في صياغة السياسات الإقتصادية  الإجتماعية والإهتمام بدورها في إعادة البناء.
- إعادة إعمار الريف وتطوير القوى المنتجة فيه والنهوض بالقطاع الزراعي وزيادة اسهامه في الإقتصاد الوطني وتحقيق الأمن الغذائي عن طريق تشجيع الإستثمارات الصغيرة والمتوسطة الخاصة والمختلطة والحكومية، وتخصيص الإستثمارات المناسبة لإقامة البنى التحتية في الريف. إضافة الى ضرورة إعادة إعمار الريف العراقي وتشجيع وتحفيز الفلاحين على العودة الى أراضيهم وتعويضهم وتقديم المساعدات والمنح والقروض لهم.
- الإهتمام بالقطاع العام باعتباره قاعدة رئيسة للإقتصاد الوطني، وعامل التوازن الإقتصادي والإجتماعي. والعمل على إصلاحه إقتصاديا وإداريا بإرساء معايير الشفافية والكفاءة والمساءلة ومحاربة الفساد والقضاء على جذوره.
- تشجيع مبادرات القطاع الخاص، واعتماد سياسة مالية وضربية تمييزية لصالح المشاريع التي تسهم في تنمية قدرات البلاد الإنتاجية والإرتقاء بالمستوى التنافسي لمنتجاته في الأسواق الخارجية.
- محاربة الفساد الإداري والمالي والاقتصادي، ودعم الهيئات المتخصصة بذلك وتفعيل وتطوير الإجراءات والقوانين التي تهدف الى حماية الثروة العامة ومعاقبة من يتجاوز عليها.
- توفير ضمانات العيش الكريم للمواطنين وحمايتهم من الفقر والعوز بالاستخدام العادل لثروات البلاد وعوائد التنمية.
- إعادة بناء العلاقات الإقتصادية مع البلدان العربية ودول الجوار الأخرى على اساس المصالح المشتركة، ودعم وتشجيع أشكال التعاون في مختلف المجالات.
- إعادة بناء العلاقات الإقتصادية الدولية للعراق على اساس التعاون والمصالح المتبادلة، والإستفادة من الإمكانات المالية والتقنية التي يوفرها التعاون الدولي.
- تعبئة الموارد المحلية والخارجية لتمويل عملية تنموية متوازنة
" التنمية المستدامة " والعمل على ضمان حسن استخدام المساعدات التي تقدمها الدول المانحة وتشجيع عودة رؤوس الأموال الوطنية."
لم يكتف المشروع بعرض مضامينه التي اتسمت بالواقعية بل حدد آليات ذات طبيعة عملية أهمها تحديد المهمة المركزية الآنية للمشروع وتقوم على استعادة السيادة والاستقلال وتصفية آثار النظام الدكتاتوري واقتلاع جذور الاستبداد والعسكرة، مع تصفية الإرهاب وتجفيف منابعه، ثم تحديد الوسيلة لإنجاز تلك المهمة وهي إقامة اوسع تحالف اجتماعي سياسي للقوى المناهضة للارهاب والعنف والمؤمنة ببناء دولة ديمقراطية عصرية. وتم تحديد أداة مرحلية وهي تشكيل حكومة وحدة وطنية، تكون بديلا عن الإستقطاب الطائفي - القومي، وتضم مختلف القوى والتيارات الراغبة في إنجاز العملية السياسية بكل استحقاقاتها وبما يؤدي الى بناء نظام ديمقراطي يؤمن حرية التنظيم الحزبي والنقابي والمهني وحرية الصحافة والتعبير عن الرأي وحرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية والقومية، وإلغاء التمييز الطائفي بكل أنواعه، القومي والديني والطائفي.
خلاصة الأمرأن نقاط المشروع تتركزعلى ثلاث بؤر مترابطة. البؤرة الاولى هي الجوهر السياسي، فالجوهر السياسي يتركز على الديمقراطية السياسية لأن الصياغات او المشاريع التي قدمها الحزب والتي تؤكد على هذا الجانب تشكل بنية عضوية اساسية في البرنامج تعبر عنها مفاهيم وصياغات من قبيل النظام البرلماني التداولي، التداول السلمي للسلطة، نبذ العنف، واللجوء الى الطرق الديمقراطية السلمية في معالجة الخلافات والمشاكل التي تنشأ بين القوى السياسية، دولة القانون، التعددية الحزبية والديمقراطية المستندة الى دستور دائم تشرعه جمعية تأ?يسية وفصل السلطات وغيرها.
البؤرة الثانية هي الجانب الاجتماعي - الإقتصادي لأن جوهر المشروع هو تطوير القوى المنتجه من خلال الربط بين مكونات اساسية ومهمة هي التنمية والنفط والديمقراطية وضرورة اعادة الحياة الى الاقتصاد الوطني من خلال إدماج القطاع النفطي وإخضاعه لمتطلبات التنمية وتكريسه للاستثمار وتمويل عملية اعادة تأهيل وتطوير الهياكل مع ضمان رقابة مجتمعية ديمقراطية على الموارد النفطية وتوجيهها وفق الاولويات الاجتماعية، والحيلولة دون تبديدها في الانفاق المظهري او استثمارات غير مجدية وعسكرة منفلتة.
البؤرة الثالثة هي السياسة الدولية التي تقوم على التعامل المنفتح مع العوامل الإقليمية والدولية وفهم تناقضاتها الملموسة وتأثيراتها على الوضع في بلادنا ومساراته الفعلية. وتفسر هذه البؤرة مفاهيم ومصطلحات برزت عند طرح المشروع وهي العلاقات المتوازنة على اساس التكافؤ، المصالح المشتركة والمتبادلة، عدم التدخل في الشؤون الداخلية، واحترام سيادة واستقلال كل بلد وخياراته الحرة في تحديد مستقبلة السياسي، التكامل الاقتصادي والسوق العربية المشتركة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر
• وثائق الحزب الشيوعي العراقي
• الثقافة الجديدة العدد 373 آيار 2015 مقالة "المجتمع المدني الديمقراطي... صيرورة تاريخية " الباحث خليل الشافعي
• Encarta الموسوعة الأمريكية