المنبرالحر

سني التقاعد .. ومساوئ السمنة -الجزء الثالث - / د. علي الخالدي

يُعَرف اينما حل ، بالطبيب العراقي وليس باسمه من قبل مواطني بلدان الاغتراب ، وينتشر هذا التعريف بينهم ، مما فَرض عليه التزامات صيانته من أية إساءة تشوه الواقع الحقيقي للشخصية العراقية التي اتصفت بتعدد انتماءاتها الدينية والقومية وما شكلته من نسيج اجتماعي متماسك حافظت على توارثه الأجيال . حرص على التواصل مع الوطن عبر طريق الشعب ، أنيسته ،وعائلته في الغربة . .
عند سقوط الصنم ،كبقية العراقيين غمرته الفرحة ، بالمستقبل الزاهر الذي سيحققه شعبه ذو التاريخ والتجربة النضالية على طريق تحقيق الغد السعيد ، فذبح خروفا ، وزع لحمه على بعض العراقيين، وأطباء قسمه تماشيا مع عراقي آخر ، وزع الجكليت على المارة في مدينة أخرى ( جور) .

بعد سرقة الفرحة من وجوه العراقيين بسقوط الصنم ، ظهرت حقيقة التجييش الطائفي والإثني وما تريده أجندات دول الجوار وأعداء شعبنا والطامعون به من الغرباء من تصعيد لفكر الإنتقام وإثارة الأحقاد بين الطوائف ، بغية تحقيق نواياهم في تفرقة الوحدة الشعبية العراقية ، ذات النسيج الإجتماعي المتماسك ، حتى أنها عبرت الحدود لتخترق صفوف من هم في دول الشتات . ،لا يبني آراءه على الغيبيات والأوهام بل على ما يصب في مصلحة الوطن والشعب مبني على ما عرفه من منطق التاريخ وقوانين التطور الإجتماعي، وأطماع دول الجوار بعراقه ، بينما أصر آخرون ، أن التغيير بالعامل الخارجي جاء لنصرة مظلومية طائفة، ناسين أن عموم الشعب العراقي يعاني من المظلومية . وعند إتضاح الحقيقة ، و إنتهاء موجة التشنج في المواقف ، نَسي كل تصرف مشين بحقة ، وحتى من تطاول ، ورفع يده عليه من باب المزايدة على الوطنية ، لم ينتظر منهم الإعتذار ، فبادر هو الى لذلك ، حتى من مَن ركبته العزة بالإثم ، فتبدد هول الأحزان التي إصطدم بها ، مطبقا ما كان ينهي الشهيد سلمان داوود جبو كلامه بهيك علمنا الحزب.
شغل باله ما سوف يتعرض له من سمنة وهو جليس البيت ،. إنتهت مخاوفه ، وما صحبها من إرتفاع ضغط الدم ، وبهبوطهما التدريجي وبدون أدوية ، عندما واصلا رياضة المشي في المحيط الذي يسكناه ، وأصبح تقليدا يوميا بعد القيلولة و لأكثر من ساعة ، في الغابات والمتنزهات وشوارع منطقته ، حتى صار تقليدا لبعض من سكان المنطقة ، لا يعرفا الخبز إلا صباحا ويكون أسمرا ، ولا يتناولا الحلويات إلا ما ندر ، وإ متنعا عن أكل اللحوم يومي الأربعاء والجمعة . يكثرا من أكل اﻷسماك . يذهبا للتسوق من الأسواق الشعبية سوية ، للحصول على فاكهة طازجة متدنية الأسعار قبل ذلك ، كانا يتسوقان من السوبر ماركت ، ويتناولا الأكلات السريعة ، ويستعملا السيارة حتى في المشاوير القصيرة . يعود الفضل للمرأة التي إرتبط بها، بنت بلده ، التي تربت على أخلاق وتقاليد عائلية عراقية أصيلة ، طعمتها بسلوك وطني حقيقي منذ نعومة أظافرها ، فربحا حياة أسرية منسجمة ، متحررة من التقاليد ، والعادات الطارئة ، سُعدت بتربية بنت وولد ، رفعوا إسم العراق ، علميا ووطنيا، تعلما منذ الصغر على حب العمل فكانا يجمعان القواقع من الغابات لبيعها ، حتى أنهم قاموا بصبغ البيت وتغيير بلاطه ، وهم طلبة لمساعدة العائلة ماديا ، محصلين على المنح الدراسية الحكومية . لم يتكفل ذويهم إلا بدراستهم الأولية ، متقاسمين وإياهم شظف العيش ومتاعب الغربة بالتفاهم الأسري وسرعة التكيف مع سبعة مجتمعات تنقلوا اليها أثناء غربتهم
لم تكن وحدته في البيت مفسدة للروح وقتل الوقت بالتوافه . حيث بدأها بزيارة معارفه الذين إنقطعت صلاتهم بالوطن في المدن ، فوجد البعض منهم ، لا يواكب ما يحل بالوطن ، فارشدهم لمواقع إلكترونية بغية التواصل مع الوطن ، مواصلا زيارة زملائه في العمل أيضا ، بالرغم من توديعهم له بحفل كرموه فيه بالتمنيتات الطيبة بالصحة والحياة التقاعدية المديدة . قدموا له الهدايا ، عند التوديع ، هذا هو المتعارف علية في المجر عندما يغادر الموظف العمل متقاعدا.

بدا بسماع الموسيقى الكلاسيكية وتذوقها ، وإزداد عشقه لسماع أم كلثوم ، قبل الرقاد ،مانحا أعضاء جسمه حقوقها الديمقراطية في الراحة ، التي افتقدتها طيلة ممارسته العمل .
بدأ يعتاد على نمط الحياة اليومية الجديدة الخالية من إلتزامات العمل والمناوبات الليلية .، يقضي وقت فراغه بقراءة ما يتبادله من كتب ، مع أصدقاء الغربة ، و بترتيب حديقة البيت مع أم نادية بعد أن كانت تنفرد بتحمل العناية بها ، هذه الحديقة التي جعلت منها قريبة من تلبية حاجات المغترب ،بالخضرة العراقية كالكرفس والكراث والشلغم والبامية والباقلاء وبشجرتي رمان تعطي رمانا شديد الحموضة وتين و توت وشجرة زيتون وموز وبرتقال لا تثمرا ، بينما شجرة الترنج أعطتهم ثمرا مثير إستغراب من يراها ،وأزهار من البلدان التي أقاموا بها أو زاروها ، فأم نادية لها هواية بأن تكون حديقتها مزهرة ومثمرة ، والحديقة التي تركتها حول البيت في ليبيا كانت تجبر المارة العاملين في المستشفى للتوقف والتمتع بألوان الزهور ، وتناول ما يقترب من أيدهم من الثمار ، يقال أنها لا زالت تجود بخيراتها في زمن القحط الذي حل بتلك البلاد.
يتبع