المنبرالحر

الوعي بالتظاهر.. والتظاهر بالوعي / جاسم الحلفي

المتظاهر الذي يعتقد ان المطالب التي يرفعها وتهدف الى إصلاح النظام السياسي بسلطاته الثلاث، ومحاسبة الفاسدين والاقتصاص منهم عبر قضاء عادل وقوي ونزيه، ويكون بمقدورالمتظاهرين استرجاع الأموال العامة التي نهبـت، وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين وتحسين الحياة المعيشية والحياتية، وحفظ الكرامة، وتنفيذ تنمية شاملة، سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وتعليمية. المتظاهر الذي يعتقد ان كل هذا وغيره من الأهداف والمطالب المشروعة يمكن ان تنجز من خلال وقفة احتجاجية، واثنتين وعشرة، لا يتجاوز وقت كل منهما في كل مرة أربع ساعات، هو متظاهر واهم لم يشخص تناسب القوى بين إمكانات حركة الاحتجاج في هذه اللحظات والواقع الصعب والمعقد وإمكانيات طغمة الفساد والمحاصصة.
اما المتظاهر الذي يعرف ان معركته مع طغمة المحاصصة طويلة لا يمكن حسمها سريعا، انما هو ينطلق في نشاطه من وعي ويدرك ان النظام بني على أساس المحاصصة التي رسختها مواد دستورية وقوانين، مكنت المتنفذين من تثبيت وجودهم في السلطة، من خلال مؤسسة تم تحاصصها بينهم لإدارة الانتخابات على وفق قانون فصل على مقاساتهم وصمم بهدف إعادة إنتاجهم. وخلقت هذه السلطة لها إتباعا ومريدين وطبقة اجتماعية فاسدة مصلحتها تكمن في إبقاء الفساد.
المتظاهر الذي لا يدرك ان أزمات العراق لن تنتهي إلا بإعادة بناء العملية السياسية، وتغيير أسسها الطائفية، هو متظاهر واهم. فيما ان المتظاهر الذي يملك تصوراً ينطلق من إمكانية الخروج من أزمة نظام المحاصصة الطائفية والاثنية عندما يتغير ميزان القوى السياسي في المجتمع، لصالح أنصار الدولة المدنية الديمقراطية المبنية على أساس المواطنة والحريات والعدالة الاجتماعية. فهذا المتظاهر الذي يعمل لإحداث خرق في جدار نظام الطائفية السياسية، ويعمل بجد وبمواصلة من دون كلل أو ملل هو متظاهر واع ويوقد شعلة الامل.
المتظاهر الذي ينظر إلى مطالب حركة الاحتجاج كمن ينظر الى مطالب نقابية محدودة من صاحب المعمل، يمكن له ان يتفاوض عليها ويحققها بنشاط نقابي محدود انما هو واهم، اما المتظاهر الذي يرى ان المواجه بين متظاهرين مدنيين وبين متنفذين، هي من العمق والاتساع بحيث لا يمكن حسمها سريعا، تحتاج الى سعة صدر ومواصلة واستمرارية وطول نفس انما هو متظاهر يعي ابعاد المعركة.
المتظاهر الذي لا يرى تأثيرات الحراك المدني على موقف الحكام والمتنفذين واضطرارهم الى الاستجابة وان كانت محدودة جدا لبعض مطالب المتظاهرين انما هو لا يعطي لهذا الحراك حقه، اما المتظاهر الآخر الذي يرى ان كفاحه، ضمن اطار الحركة الاجتماعية، لم يكن هباء، فهو على يقين بانه سيخلق تراكماً وينمي تجربة ويشجع على انشطة تؤدي في نهاية المطاف الى خرق في جدار نظام المحاصصة الطائفية التي هي اساس البلاء.
المتظاهر الذي يعتقد ان تصعيد طريقة الاحتجاج ارادوياً، من التظاهر الى الاعتصام والعصيان المدني، يمكن ان يتحقق بسهولة ويسر انما هو متظاهر واهم. اما المتظاهر الذي يفهم ان التظاهرات ورغم انها تعبر عن راي عام واسع وحاجات عامة، وابعاد وطنية حقيقية، وان هناك اتفاقاً واسعاً حولها، وهو على علم بانها لم تستقطب بعد جماهير واسعة، ويسعى الى المواصلة وتجديد أساليب الاحتجاج وتنويعها، ويعمل من اجل تعزيز حضور العامل الجماهيري ذي المصلحة الأساسية في الحراك الاحتجاجي،وهذا المتظاهر الذي يؤمن ان نضوج الظروف الموضوعية والذاتية هي التي تسهم في تحديد شكل ونوع أسلوب الاحتجاج هو متظاهر واع.
اما المتفرج الذي يحمل المتظاهرين مسؤولية تحقيق المطالب من دون ان يسهم كما يجب في أنشطة الاحتجاج، ولا يشجع المحتجين ومن دون ان يساندهم، ويقتصد بالتضامن معهم، بل يقرعهم وينصب نفسه عليهم كموجه ومفكر ومرشد، هذا المتفرج هو صنو من يشيع اليأس والإحباط، وهو في احسن الأحوال لاعب سلبي يخدم دون ان يدري طغمة الفساد.