المنبرالحر

محنة العراق / زهير كاظم عبود

ما يمر به العراق من محنة وتعرض سيادته وكرامته للانتهاك السافر واحتلال تنظيم إجرامي مدنا كبيرة ومهمة، وهو يملك من الدعم المادي والمعنوي ما تملكه دولة، ويستمد ديمومته وتخطيطه من عناصر غير معزولة عن محيطها العراقي أو المجاور، ويعتمد أيضا على عقيدة وأن بدت متخلفة وبالية، إلا أنها نافذة في عقول بعض من تركوا أهلهم وبلدانهم، وحضروا لينصروا تنظيم (داعش)، ويقاتلوا العراقيين في بلدهم وفوق أراضيهم، ويقوموا بالسيطرة ولو بشكل مؤقت على بعض المناطق والمحافظات، ليذيقوا أهلها المرارة والعلقم في الذل والاهانة ومصادرة الأموال والحقوق، ومن ثم في الإقدام على قتل أعداد كبيرة منهم تحت شتى الذرائع.
محنة العراق ليست فقط في نقص السلاح والعتاد، ولا في ضعف بنية المؤسسة العسكرية ، ولا في أعداد المتطوعين من أبناء العراق، وليست أيضا في الخلل الحاصل في المنظومة الأمنية، ولا في عدم توفر الكهرباء والخدمات ، بالرغم من إنفاق عشرات المليارات ومضي أكثر من عشر سنوات، الخلل في الفساد المستشري في النفوس المريضة التي تكالبت على العراق، والخلل في الإيمان الحقيقي بالمشاركة والإقرار بالحقوق، الخلل يكمن في موقف بعض الدول التي تتعامل بوجهين، فتعلن إنها ضد الإرهاب، وتعمل على مساندة التنظيم الإرهابي، تعلن أنها مع سيادة وك?امة العراق وتعمل ماديا أو معنويا على إحداث أي خلل في السيادة العراقية باتجاه التمزيق والتقسيم ، والخلل في النفاق السياسي لبعض السياسيين داخل العملية السياسية نفسها، ممن لم يستوعبوا الظرف الطاريء والعسير الذي يمر به العراق وطنا وشعبا .
يحتاج العراق ليخرج من محنته أكثر من أي وقت التوحد وتأجيل الاختلافات والخلافات ولو إلى حين، يحتاج العراق وقفة سياسية موحدة تعيد له قوته وصلابته، موقف يتناسب كليا مع حجم الخطر الذي يحيط بالعراق من كل الجهات، وان يكون الموقف الوطني كبيرا وحاسما متحديا بحجم هذه المحنة، مادام العراقي يقاتل فوق أرضه للدفاع عن عرضه وكرامته وسيادته، ومادام العراقي يقاتل من أجل سيادته ومن أجل حقه في الحياة والأمن.
يحتاج العراق الى أن يتوقف بعض السياسيين العراقيين عن بث الشحن الطائفي المقيت في فضاء الاعلام، وأن يكف البعض عن إشعال الحرائق، وعلينا تغليب مصلحة الشعب على كل المصالح، وان نرتقي بمفاهيم المصالحة الوطنية بأسرع ما نستطيع بصدق وبروح المتسامح، فالمحنة تتوسع وتكبر مع الزمن فلا تتركوا غيمتها تخيم على بلاد مابين النهرين فتحجب عنها الشمس .
وعلينا أيضا أن نكف عن النفخ في الرماد لتأجيج النار، تكفينا النيران التي أحرقت شعبنا كل تلك السنين ، والجمر الذي يكتوي به أطفالنا اليتامى، والطائفية التي ذبحت شبابنا دون أدنى إعمال للعقل، علينا أن نستعيد وحدتنا وتوحدنا التي عرفنا بها التاريخ، فالعدو لم يزل يستفيد من تفرقنا وضعفنا واختلافاتنا، ولم يزل يعمد إلى غرس خناجره في ظهورنا والغدر بنا ونحن في صمت خجول نتعامل بدبلوماسية بعيدا عن صرخة الموجوع، نتعامل بكياسة ونعتمد سياسة النفاق بديلا عن قول كلمة الحق مادمنا نؤمن إننا على الحق.
وعلى النخب السياسية أن تتعامل بعقلانية وترو ومعرفة ما سيؤول إليه العراق إذا بقينا على حالنا هذا، وعليها أن تعرف ما ولدته نتائج الفرقة وتعميق التناحر الطائفي والقومي والسياسي في البلد، خصوصا وأن العراق اليوم يمر بأخطر مرحلة تتعرض فيها الحياة والكرامة والشرف والإنسانية إلى الاستباحة والإهانة، على النخب السياسية أن تعتمد لغة أخرى في الحوار والتقارب، وان تقرأ الواقع العراقي بشكل واضح وجلي وفق بصائر منفتحة .
بلدنا محتل من عصابات إجرامية مسلحة تعتمد حرب العصابات، لن يغطي أحد على أنها تستند إلى مخططات ومساندة من دول، ولن يغطي أحد على حاجتنا اليوم للمساندة والمساعدة والموقف، سواء كانت مساعدة عسكرية في السلاح أو المعلومة أو الاستشارة أو في التنسيق مع دول الجوار ومع كل الدول الصديقة التي نعتقد إنها تريد الخير للعراق. فالمحنة تتطلب منا أن نتقبل هذه المساعدة إزاء الأوضاع التي نمر بها اليوم، والمساعدة من جميع الشخصيات السياسية للمشاركة في تهدئة الموقف، والحرص على أن تكون الكلمة موحدة ومنسجمة مع خطر المرحلة التي نمر بها، وحاجة المركب العراقي الى قوة الدفع التي يتشارك فيها الجميع حتى نعبر مرحلة المحنة ونتجاوز الأمواج العاتية.
الموقف الذي نحتاجه في الصراحة والصدق والثقة المتبادلة، وان نعتمد أساساً في تحرير مدن العراق المحتلة على أبناء شعبنا، من أبناء القوات المسلحة والبيشمركه وأبناء الحشد الشعبي وأبناء العشائر، وأن نترك تلك المزاعم والمخاوف والأراجيف التي يعتمدها البعض في تمسكه بالفرقة والتشتت العراقي حتى في أحلك ظروف العراق ومحنته .
قواتنا المسلحة تمثل مكونات العراق الجميلة تدافع عن كل شبر من أرض العراق، وقوات البيش مركة حرس الإقليم التي تعدت حدود مهمتها وصارت تقاتل من اجل تحرير مدن عراقية خارج نطاق الإقليم، والحشد الشعبي التجمع الإنساني والوطني الخاضع للقيادة العامة للقوات المسلحة كرديف مساند للجيش، ويشكل ردا عمليا ومعنويا على احتلال مدن عراقية من قبل تنظيم أجرامي وأغراب من شتى أصقاع الأرض، ويتصدى لهم أبناء العشائر الغيارى المقاتلون دفاعا عن بلداتهم وشرفهم وكرامتهم، والمساندة التي نتلقاها من أصدقائنا الحقيقيين الذين وقفوا معنا في المحنة مهما كانت تسمياتهم، فالظروف وما يمر به العراق تكشف لنا بوضوح وللتاريخ من يقف بوجه احتلال داعش للعراق، ومن يريد أن يطيل أمد هذا الاحتلال، و من يريد للعراق ان يتقزم، و من يحرص على مستقبله، من يحمل في قلبه الغل وأمراض الطائفية والأحقاد التي تأكل عقله وقلبه، و من يسعى إلى جمع الكلمة والموقف، مهما كان موقعه أو مكان إقامته، بين من عميت قلوبهم المتخمة بالكراهية والشوفينية وبين من يؤمن حقا بالدستور وبالعراق الاتحادي .
لنكن بحجم الشعارات والأهداف والنوايا التي كنا نضعها أيام النضال ضد الدكتاتورية، فالجميع أمام امتحان التاريخ، وسيسجل الشعب أسماء القادة والسياسيين فردا فردا، من وقف منهم بشجاعة وشرف، ومن خاتل أو راوغ أو تمسك بطائفيته، أو عبر مواقف ساندت العصابات التكفيرية الإجرامية ولو بشكل غير مباشر، لنستعيد جسور الثقة التي كانت وثيقة بيننا، ولنثق جميعا بأن التخندق لصالح الطائفة أو الحزب أو القومية في الظروف العسيرة التي يمر بها شعب العراق لا يمثل الموقف الوطني المطلوب، فكونوا جميعا شيعة وسنة، عربا وكردا وتركماناً ومكونات أخرى بحجم محنة العراق، حتى يمكن لنا أن نتفرغ لبناء مؤسساتنا الدستورية ودولتنا الاتحادية.