المنبرالحر

موازنة 2016.. بين مطرقة الأزمة المالية وسندان السياسات الاقتصادية الخاطئة / فرحان قاسم

مقدمة
بدءا، ان هذه الموازنة عكست هشاشة الاقتصاد العراقي بسبب السياسات الاقتصادية الخاطئة وانعدام الرؤى الإستراتيجية الواضحة التي لعبت دورا كبيرا في تبديد العائدات النفطية الهائلة بعد 2003 وكرست الاقتصاد الأحادي الجانب وريعية الدولة العراقية.
ومن نافلة القول التأكيد على ان تلك السياسات لم تأت من فراغ، وانما كانت نتيجة مشروع شامل - سياسي اقتصادي اجتماعي- تم طبخه على نار هادئة قبل 2003 من قبل قوى دولية واقليمية لهثت وراءه حثيثا اجندات لتيارات وقوى داخلية ، يستهدف في النهاية ابقاء العراق بلدا ضعيفا تابعا تعصف به صراعات متعددة ، وكان من نتائج ذلك المشروع نظام سياسي هش عصفت به الطائفية والمحاصصة وصراع المصالح والفساد المالي والاداري ، ادى الى انهيار القاعدة الانتاجية للدولة العراقية سواء القطاع الصناعي العام والخاص والمختلط والتعاوني والقطاع الزراعي وكذلك القطاع الحرفي . والنتيجة الطبيعية لمثل هذه السياسات ان تتحول الدولة الى دولة توزيعية تتبدد من خلالها الثروات النفطية وان يرتبط مصير العراق والعراقيين بالازمات الاقتصادية الدولية وتداعياتها بشكل مباشر.

قانون الموازنة
اقر مجلس النواب قانون الموازنة العامة الاتحادية لجمهورية العراق للسنة المالية 2016 في 16 كانون الاول الماضي. تضمن قانون الموازنة (53 ) مادة ، احتوتها ( 33 ) صفحة . تضمنت جداول وارقاما تفصيلية سيتناولها المختصون في دراساتهم وتحليلهم لمفردات القانون ، اخترت بعض الجداول من القانون لتساعدني في التوصل الى استنتاجات تتعلق بالاثار الاجتماعية والاقتصادية التي ستتركها هذه الموازنة على الوضع المعيشي لغالبية ابناء الشعب العراقي.
تقدر ايرادات هذه الموازنة بمبلغ مقداره ( 81700803138 ) الف دينار ( واحد وثمانون ترليونا و سبعمئة مليار و ثمانمئة وثلاثة ملايين ومئة وثمانية وثلاثون الف دينار ) . و تم احتساب الايرادات المتحققة من تصدير النفط على اساس معدل سعر مقداره ( 45 ) دولارا لبرميل النفط الواحد ، بحساب صرف الدولار على اساس ( 1116 ) دينارا عراقيا . ومعدل تصدير هو ( 3,6 ) مليون برميل يوميا بضمنها انتاج اقليم كردستان و انتاج محافظة كركوك .
الموازنة لمعالجة العجز الى (ارصدة حسابات الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة لدى المصارف الحكومية ، قرض البنك الاسلامي للتنمية، اصدار سندات خارجية، قرض الوكالة اليابانية للتعاون الدولي، اصدار سندات الدين العام تطرح للجمهور، إصدار سندات وحوالات الخزينة الى المصارف الحكومية وتخصم لدى البنك المركزي العراقي، قرض لدعم الموازنة من الوكالة اليابانية، اصدارات حوالات خزينة وقروض من المصارف التجارية، قرض من البنك الدولي).
اهم الاستنتاجات
1- ما زال هيكل الموازنة العراقية يعاني المشاكل السابقة نفسها, فالإنفاق التشغيلي يستهلك معظم إيرادات الموازنة, فنسبة الإنفاق التشغيلي إلى الإيراد الكلي هي نسبة غير معقولة (98.1 في المئة).
2- صدرت موازنة عام 2016 بنفقات تقدر 105.9 ترليون دينار منها 25.7 ترليون دينار للمشاريع الاستثمارية، اي بنسبة 24.3 في المئة من مجموع الأنفاق، وهذا المبلغ لا يكفي لتنفيذ المشاريع الملتزم بها بالمعدلات الاعتيادية للانجاز والاستحقاق.
3- لم يعكس قانون الموازنة اي توجه جدي لتحقيق " الاصلاحات " المزعومة . فان التخفيض في الرواتب لم يجر على وفق منظور اصلاحي جذري لصالح الغالبية العظمى من موظفي الدولة ، لان الفروقات " بين الحد الادنى والحد الاعلى للرواتب تبلغ 300 ضعف ، وهذا وحده يؤكد طبيعة القوى الاجتماعية المحركة والمقررة في الدولة العراقية ونمط التفكير لتلك القوى التي تجنح لخلق مجتمع الطوابق والدرجات المتفاوتة تفاوتا كبيرا .
4- وعلى المنوال السابق نفسه نجد ان 12 في المئة من الموظفين يستحوذون على 80 في المئة من المخصصات. الأمر الذي يؤكد المنظور الطبقي والاجتماعي للمخطط وصاحب القرار.
5- حددت موازنة 2016 أولويات الإنفاق بالأمن والدفاع والنفط والصحة والتعليم . ولا خلاف حول تلك الأولويات ولكن هذه الموازنة مثل سابقاتها أهملت قطاع الاسكان رغم انه لا يشكل أولوية خدمية فقط حيث يحتاج العراق إلى (3) ملايين وحدة سكنية لمعالجة مشكلة السكن وانما هو قطاع محرك ورافعه لتحريك القطاع الخاص والعام وبقية القطاعات كما انه يسهم بشكل كبير في معالجة البطالة ويعزز من القدرة الشرائية للمواطن ويحرك سوق الاستهلاك والعمل على السواء. وإذا ذهبنا بعيدا في التحليل فان إهمال قطاع الاسكان يشكل امتدادا لتوجه ورؤية لاعاقة اية خطوة تسهم في إعادة تنشيط القطاع الانتاجي .
6- لجأت الموازنة الى تمويل ( الفجوة المالية ) وهي العجز المقدر (24194919481) الف دينار الى مجموعة وسائل لسد هذا العجز وعلى رأسها القروض الخارجية من جهات مختلفة بحدود ( 12,912,120,000 ) ترليون دينار. بالاضافة الى ذلك فان الحكومة العراقية سبق وان اقترضت في سنة 2015 لسد العجز ايضا ، وعليه فان العراق قد يدخل في نفق المديونية الذي سبب انهيارات مالية لعدد من الدول ، ارتباطا بالانخفاض المستمر لاسعار النفط .
7- ان الزيادة المخططة في انتاج النفط بحوالي ( 300000 ) الف برميل لا تكفي لسد العجز في الموازنة ارتباطا بالهبوط المستمر لاسعار النفط وزيادة عرضه في الاسواق العالمية . و ان اختلال الميزان التجاري و ميزان المدفوعات للعراق هو ايضا سبب لعدم كفاية زيادة انتاج النفط لتغطية العجر, فالميزان التجاري العراقي مع كثير من الدول يعاني عجزا , كما ان ميزان المدفوعات ايضا يعاني خللا عميقا نتيجة عمليات تهريب العملة
واسباب اخرى, وبالتالي فان زيادة الانتاج سيترافق معه اختلال في ميزان المدفوعات نتيجة للالتزامات النقدية المستحقة على العراق للشركات النفطية والبالغة 22 ترليونا واجبة الدفع مطلع عام 2017 .
8- ان هذه الموازنة لم ولن تستطيع معالجة او تخفف الازمات المتراكمة من الموازنات السابقة مثل ازمات ( الاسكان ، البطالة ، الامية ، نسبة الفقر ، الخدمات البلدية ، الابنية المدرسية ، التسرب من التعليم ، الخدمات
والكوادر الصحية ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر المعتمدة لهذه المقالة هي :
1- قانون الموازنة العامة الاتحادية لجمهورية العراق للسنة المالية 2016 .
2- مقاله : نظرة تحليلية على موازنة 2016 . د . سعد ابراهيم .
3- مقالة : موازنة عام 2016 والتكيف مع سعر منخفض للنفط د . احمد بريهي علي