المنبرالحر

العراق يتهاوى فماذا تنتظرون؟ / مرتضى عبد الحميد

تعاني العديد من شعوب المنطقة ودولها، أزمات مركبة لاتقتصر على جانب دون آخر، بل هي عامة شاملة في السياسة والاقتصاد، والثقافة والتماسك المجتمعي، ولعل عراقنا هو الأبرز، كما هو حاله في كل شيء سلبي، بفضل سياسات الدكتاتورية، والمحتلين الأمريكان ومن جاء بعدهم، ممن انتزعوا ضمائرهم ووضعوها في فريزرات ثلاجاتهم، قبل أن يرفعوا أكمام سواعدهم، لتبدأ عملية الشفط واللفظ، التي أدت في المطاف الأخير إلى إفراغ خزينة الدولة من آخر دولار فيها!
ومن بين مئات البلايا والرزايا، تطل علينا كرأس الأفعى أخطر أزمة يعانيها المواطن العراقي، وأشدها ضرراً على حاضره ومستقبله، هي أزمة انعدام الثقة بالنفس وانحسار الهوية الوطنية، وتضاؤل الشعور الجمعي، الذي يدفع باتجاه البحث عن الحلول الفردية، واعتبارها طريق الخلاص الوحيد، وهو ما تريده تحديداً كل الأنظمة القمعية والمعادية للديمقراطية، لأنه يسهل عليها التعامل مع الشعب بأسلوب القطيع.
في روايتها الجميلة، ذاكرة الجسد، تجسد «أحلام مستغانمي»، هذه الحقيقة المرة على لسان «حسان» احد أبطال الرواية، (نحن همنا الحياة لا غير، وما عدا هذا ترف... لقد تحولنا إلى امة من النحل، تبحث عن قوتها، وحجر تختبئ فيه مع أولادها لا أكثر).
هذا ما نلاحظه مع الأسف الشديد، في حياتنا العملية هذه الأيام، حيث تندلع التظاهرات الجماهيرية مطالبة بأصلاح العملية السياسية، وتوفير الخدمات، ومكافحة الفساد والمفسدين، لكن نسبة المشاركين فيها ما زالت دون المستوى بكثير، وإذا كان هناك من عذر متهافت، وواه، للبسطاء والأميين من أبناء شعبنا بعدم المشاركة في هذه التظاهرات، فما بال مثقفينا وأدبائنا وفنانينا، واكاديمينا وكأنهم يعيشون في كوكب أخر ولا علاقة لهم بما يجري في بغداد والمحافظات الأخرى، لاسيما وان قسماً كبيراً منهم، له هواية التنظير، وتدبيج المقالات، والأعمدة الصحفية، عما يعانيه البلد، والشجاعة المطلوبة في التصدي لكل هذا الخراب والدمار. بل أن الكثير من التدريسيين والاكاديميين لم يتظاهروا ويخرجوا إلى الشارع، إلا عندما خفضت مخصصاتهم واقتطع جزء منها، ثم عادوا إلى سباتهم بعد تطمينهم من الجهات المعنية.
في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر في أوربا، كان الشعراء والفنانون أول من ثار على معطيات النظرة الميكانيكية- الآلية في الفلسفة والعلوم، وقبل أن يطرح هيجل قوانين جدله أو ديالكتيكه، ويتقدم «دارون» بآليات صيرورته، وكارل ماركس بنسبيته الموضوعية، وأطروحته في تاريخية الحقائق المادية والروحية.
لا نريد من مثقفينا وأكاديمينا أن يلعبوا مثل هذا الدور العظيم، لأننا ندرك جيداً صعوبة تحقيق ذلك في هذا الظرف العصيب، لكنهم مطالبون بتفعيل دورهم والمشاركة النشيطة في الحراك الجماهيري، الذي من دونه لن تقوم قائمة للعراق ولا يقتصر العتب على المثقفين والاكاديمين فحسب، وإنما على الاتحادات والجمعيات والنقابات العمالية والمهنية ومنظمات المجتمع المدني، فهم جميعاً أولى من غيرهم بالدفاع عن الحريات، وعن المصالح الحقيقية، لهذه الجماهير المكتوية بنار الإرهاب والطائفية والفساد، وضياع الهوية الوطنية الجامعة.
فهل انتم فاعلون؟ أم سيظل الصمت والخواء، وعدم الشعور بالمسؤولية هو سيد الموقف؟