المنبرالحر

حركة الاحتجاج وزخمها المتجدد / جاسم الحلفي

أدارت السلطات الثلاث ظهرها لمطالب المتظاهرين، ولم تعد تكثرث لها. وبدا واضحا ان حزم الإصلاح التي طُرحت، والتصريحات التي تشدق بها المتنفذون، لم تكن الا وسيلة لامتصاص نقمة المتظاهرين.
ولعل المسؤولين يشعرون الآن بالارتياح من صداع الرأس الذي سببته لهم التظاهرات في أسابيعها الأولى، حين تدفقت الجموع الكبيرة للمشاركة فيها. فما ان تضاءل العدد حتى عادوا الى عادتهم القديمة بالنيل من معيشة المواطنين والتطاول عليها، عبر اجراءات التقشف التي وجدت في ذوي الدخل المحدود مرتعا لها. فكان ان قررت خصم ثلاثة بالمائة من الرواتب، ثم راحت تطلق بين فترة وأخرى بالونات اختبار، لاستطلاع ردود الفعل عليها. ومن ذلك اقدامها على اعطاء إجازة إجبارية دورية بدون راتب للموظفين.
وجاء الاختبار العملي الاول لهذا الاجراء عندما صوت مجلس محافظة واسط، يوم الثلاثاء 5/1/2016، على منح موظفي عقود تنمية الأقاليم إجازة إجبارية لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد. هكذا وبمثل لمح البصر سرحوا الموظفين، دون بديل يوفر لهم حدا ادنى من العيش الكريم! وبطبيعة الحال لن يقف موظفو العقود مكتوفي الأيدي، بل سيكون لهم رد فعل يناسب قرار التجويع هذا.
وقد بدأت بوادر مقاومة هذه السياسات وإحباطها تلوح بقوة. فها هو قرار وزير الزراعة بفصل ذوي الشهداء من الموظفين الذين سبق تعيينهم حسب قانون مؤسسة الشهداء ينتهي الى الفشل، حيث تراجع الوزير عن قراره انصياعا لمطالب تظاهرة هؤلاء المفصولين التي أغلقت باب الوزارة.
كذلك لم تنجح محاولة وزارة الصناعة دفع منتسبي شركات التمويل الذاتي الى التقاعد المبكر. في حين تراجع وزير المالية بعد يوم واحد فقط من تصريحه باحتمال عجز الحكومة عن دفع رواتب الموظفين في شهر نيسان القادم، ليقول ان رواتب الموظفين والمتقاعدين «خط أحمر»، مضيفا أن الحكومة ملتزمة بتوفيرها. وجاء ذلك تفاديا لردود فعل موظفي الدولة، الذين ستكون صرختهم مزلزلة إن مست رواتبهم.
ويبدو ان أصحاب القرار لم يدركوا بعد ان رصيد ثقة المواطنين بهم شارف على الانتهاء، وان طريقة إدارتهم المتسمة بالتسويف والمماطلة لا تقنع أحدا، وان الناس لا يقبلون بها.
وها هم منتسبو شركة نفط الجنوب يتهيأون للاعتصام في 17 الشهر الحالي، بعدما نكثت وزارة المالية وعدها لهم، غداة تظاهرهم في 17 الشهر الماضي، بصرف حصتهم من إرباح الشركة والتفاوض مع ممثليهم للاتفاق على تسديدها لهم على مراحل. ووزارة المالية بالذات تعلم خيرا من غيرها ماذا يعني اعتصام منتسبي شركة نفط الجنوب؟
ومثلهم عمال التمويل الذاتي الذين تظاهروا يوم 29 الشهر الفائت في بغداد، وقطعوا شارع محمد القاسم لأكثر من ثلاث ساعات، حيث تمت الاستجابة لمطالبهم بعد جولة تفاوض طويلة، لكنهم ما زالوا يترقبون تنفيذ الوعود، والا سيكون لهم كما بيّنوا خلال التفاوض - موقف آخر!
ان المتابع لكل هذه التظاهرات والاحتجاجات القطاعية، والتي هي جزء أساسي من الحركة الاحتجاجية وواحد من اشكالها، يكتشف ان تراجع الإعداد في ساحات التظاهر ايام الجمع لا يعني بحال تلاشي الحركة. بل انها تتجلى بصور أخرى، وقد نجحت بالفعل في ظهار دروسها البليغة، ومنها عدم السكوت على انتهاك الحقوق، وحقيقة ان حاجز الخوف والتردد قد انكسر، وان الحركة بلغت درجة من الاتساع بحيث ان إجراءات التضييق وبضمنها قطع الشوارع والجسور لم تعد قادرة على محاصرتها، مثلما تعجز سياسات الضغط والتخويف عن خنقها. بل ان التظاهرات تعود بقوة اك?ر، نظرا الى ان الأسباب التي دفعت الناس الى التظاهر لا زالت قائمة، ولم تتم معالجتها. بل انها اشتدت بفعل الأزمة المالية، الناجمة عن السياسية الاقتصادية الفاشلة، وهو ما يمنح حركة الاحتجاج زخما وبعدا تصعيديا إضافيين.