المنبرالحر

اتقوا الله في العراقيين .. أيها الأطباء الجراحين في المستشفيات الأهلية / زهير ضياء الدين

يزخر التراث العراقي بالمبادئ والقيم النبيلة والأنسانية في جميع مناحي الحياة ولا يستثنى القطاع الطبي من ذلك وأبرز تلك المعالم العيادة الطبية الشعبية الخاصة بالدكتور إسماعيل ناجي ورفاقه من أعلام الطب الذين أسسوا تلك العيادة عام 1951 وعلى رأسهم الأستاذ الدكتور هاشم الوتري عميد كلية الطب الملكية العراقية في حينه والأستاذ الدكتور كمال السامرائي والأستاذ الدكتور خالد ناجي وكانت تلك العيادة التي ضمت الآخرين من الأساتذة في الخدمات المختبرية وغيرها لقاء بدل إشتراك شهري قدره (مائة وخمسون فلساً فقط) مع إمكانية إنتقال الطبيب الى مسكن المريض فيا ترى أين نحن اليوم من البارحة .
أبدأ موضوعي بهذه المقدمة لأذكر من لا يتذكر بأن العراق بلد الخير المعطاء وما وصل إليه حاله اليوم يرثى له وأتحدث تحديداً عن أجور العمليات في المستشفيات الأهلية التي تفتقر في الغالب الى المستوى المطلوب في الخدمات الفندقية وكأن همها الوحيد هو سحب أكبر قدر ممكن من المال لقاء أجور العمليات من المواطن العراقي الذي جاء مضطراُ إليها .وبالرجوع الى دستور جمهورية العراق لسنة 2005 نجد أنه تحدث ضمن المادة (31) عن موضوع الرعاية الصحية والتي نصت على (أولاُ لكل عراقي الحق في الرعاية الصحية وتعنى الدولة بالصحة العامة وتكفل وسائل الوقاية والعلاج بإنشاء مختلف أنواع المستشفيات والمؤسسات الصحية .
ثانياً للأفراد والهيأت إنشاء مستشفيات أو مستوصفات أو دور علاج خاصة وبإشراف من الدولة وينظم ذلك بقانون).وبالرجوع الى النص الدستوري نجد أن الدولة ملزمة بضمان حق الرعاية الصحية لكل مواطن بضمنها إنشاء المستشفيات ، ومن جانب آخر جوزت للأفراد والهيأت إنشاء دور العلاج الخاصة ولكن بإشراف الدولة على أن ينظم ذلك بقانون ، علماً أن القانون الحالي وهو (قانون تأسيس المستشفيات الأهلية رقم (25) لسنة 1984) تضمن أسس إنشاء هذه المستشفيات والدعم الذي تؤمنه لها الدولة بدءاً بالتخصيص المجاني لقطعة الأرض ومروراُ بتأمين الدواء والأجهزة الطبية عن طريق الدولة وحق المؤسسين من الأطباء بالإحالة الى التقاعد والى آخره إلا أن القانون المذكور لم ينص على رقابة الدولة عليها وآلية هذه الرقابة وخاصة في مجال تحديد الأجور وهو ما يجب الأخذ به عند تشريع القانون الجديد الذي نص عليه الدستور لحماية المواطن من أي أستغلال .وبالعودة الى الأسباب التي تلجئ المواطن لمراجعة المستشفيات الأهلية نجد أن ذلك واضحاً وبشكل أساسي فقدانه للثقة بالمستشفيات الحكومية التي تفتقر الى الكثير من المقومات كمؤسسات صحية تتعامل مع أثمن ما يملكه الأنسان وهو حياته وصحته إضافة الى قائمة الأنتظار الطويلة التي على المواطن أن يلتزم بها ليأتي دوره لأجراء العملية المطلوبة وعملية الأبتزاز التي يتعرض لها من قبل بعض الأطباء العاملين في المستشفيات من خلال دفعه لأجراء العملية في المستشفى الأهلي الذي يتعامل معه الطبيب الجراح في المستشفى الذي يراجعه المواطن في أحيان غير قليلة ، وهذا الخلل الجوهري عجزت الدولة العراقية عن حله رغم أدراكها له منذ عقود وهو ضرورة فصل العمل الطبي الخاص عن العمل الطبي الحكومي بالنسبة للأطباء لوقف عملية الأستنزاف في إمكانيات الدولة في المؤسسات الحكومية لصالح العمل الخاص .صحيح أن المواطن من الناحية النظرية غير ملزم بمراجعة المستشفيات الأهلية وبإمكانه مراجعة المستشفيات الحكومية لكن واقع الحال وكما ذكرنا بأن حياة وصحة المواطن تضطره الى تحمل نفقات غير إعتيادية تفوق طاقته بكثير للحفاظ على صحته منها مراجعة المستشفيات الأهلية رغم إضطراره الى الأستدانه أو بيع جزء من ممتلكاته مما يضعه في موقف غير منصف .والآن نعود الى دور الدولة في إنقاذ المواطن من هذا الواقع غير المنصف الذي وضع فيه وتخليصه من الأستغلال الذي يتعرض له من عدد غير قليل من المستشفيات الأهلية دون رقيب أو حسيب وحين نتحدث عن مبالغ كبيرة تم استيفاؤها عن أجور العمليات في هذه المستشفيات فنقصد مبالغ غير قليلة بحيث تتجاوز أربعة ملايين دينار في العمليات الكبرى وقد تصل الى ستة ملايين أو تزيد في العمليات فوق الكبرى والخاصة بالرغم من ذلك هنالك غياب تام لدور الدولة الملزمة دستورياً بحماية المواطن وتأمين الخدمات الصحية التي يحتاجها ، لذا نتوجه الى كل من وزير الصحة شخصياً ووزارة الصحة بجميع دوائرها المعنية وبشكل خاص مكتب المفتش العام إضافة الى نقابة الأطباء بممارسة دورهم الأنساني والوظيفي والمهني بإحكام الرقابة على هذه المستشفيات وتحديد تسعيرة معقولة لأجور العمليات بمستوياتها المختلفة تكون منصفة للطرفين وهو أمر يسير وغير مستحيل مع ضمان رقابة فاعلة من قبل الجهات المختصة نذكرها بشكل خاص مكتب المفتش العام في وزارة الصحة وأقسام التفتيش في المحافظات إضافة الى نقابة الأطباء وأتخاذ أجراءات حازمة بحق المخالفين ولا يفوتنا أن نذكر أن نسبة كبيرة من العمليات في المستشفيات الأهلية يتم إجراؤها من قبل الأطباء الجراحين العاملين في الدولة خلال الدوام الرسمي ولم يمنع قرار وزارة الصحة المتضمن عدم جواز أجراء العمليات من قبل الأطباء العاملين في المستشفيات الحكومية إلا بعد أنتهاء الدوام الرسمي في الساعة الثالثة بعد الظهر من ممارسة هذه المخالفات .
وفي الختام تجول في ذهني العديد من التسميات والكلمات التي تنطبق على من يمارس هذا السلوك إلا أني أخشى إن ذكرتها يذهب البعض للمطالبة بالتعويض عن طريق القضاء بحجة الإساءة وهو ما يكثر إستخدامه في أيامنا هذه من قبل بعض المتنفذين والأثرياء لزيادة رواتبهم ونفوذهم.
... والسلام ختام