المنبرالحر

ثلاجة وصحافة / قيس قاسم العجرش

في العادة أستمع لمقترحات الزملاء بشأن مواضيع تصلح للتحقيق الصحفي. وحين نناقش التنفيذ، يتكرر طرح أسماء أو مؤسسات بعينها للإحاطة بجوانب المعلومة، وتتكرر أيضاً ملاحظة البعض بأن :» فلان لا يظهر في التلفزيون..» أو أنه لا يَردّ على الإتصالات أو إنه لا يجيب عن أسئلة الصحفيين وانتهى الأمر!
أو أن المؤسسة الفلانية لا (تتعاون) مع الصحافة الناقدة. هي تقبل فقط بالصحافة التي لها ميول سياسية مشابهة للمتسيد على تلك المؤسسة مديراً عامّا كان أو وزيراً.
ومن تراكم التجارب مع مؤسسات بعينها، وجدنا أن التواصل مع مكتب رئيس الوزراء مثلاً أقلّ تعقيداً من التصوير في مستشفى أو في مدرسة!
حجم الموافقات والإستفهامات المطلوب من الصحفي إجابتها أو توفيرها قبل أن يدخل الى مؤسسات بعينها أمر يفوق الخيال والتصوّر. وفي كثير من الأحيان يلعب اسم الوسيلة الإعلامية دوراً في الحصول على هذه الموافقة أو رفض الطلب.
الحقّ أنهم لا يرفضون طلباً أبداً. فهم لا يوثّقون هذا الرّفض، هم يُماطلون ويسوّفون ويسألون عن التفاصيل الى درجة تجعل الصحفي يصرف النظر في النهاية.
طلبت من أحد الوزراء مرّة أن يمنحني الموافقة للتصوير في مديرية معينة لأجل تحقيق صحفي كنّا نتكلم في تفاصيله للتو. الوزير أجاب بسرعة وبلا تردد بأن كل مؤسسات الوزارة بلا استثناء مفتوحة أمام الإعلام. وحين تحوّل توجيه الوزير وموافقته الى ورقة وطلب رسمي يمرّ على خمسة أو ستة مكاتب، لم أستغرب أن «مديرة» القطّاع المعني كتبت مع توقيعهاعلى الطلب:» موافقة بدون دخول الكاميرات!»....تصوّرت المديرة أنها تتذاكى !....لم أجادلها حتى بحرف واحد حيث بدت مشغولة بتوجيه اثنين من الأُجراء ومعهم اثنين من الموظّفات لينقلوا لها ثلاجة من مكتب آخر تابع لها. الثلاجة كانت أحدث من ثلاجة أخرى موجودة بالفعل في مكتبها الحالي ويبدو أن فيها عطلاً ما بحيث أدى الى «تعفّن» المواد الغذائية فيها.
ثم طلبت من الكهربائي أن يربط الثلاجة على خط كهرباء لا ينقطع خلال الجمعة والسبت، ثم كلّفت إحدى الموظفات بتنظيف الثلاجة واستبدال ما فيها في وقت جلب لها احد العاملين معطراً للجو كي يرشّ منه، لكنها اعترضت على نوعيته. حدث هذا أثناء انتظاري كي تكتب بيدها المنتفخة جملة «موافقة.. بدون دخول الكاميرات».
بصمت وخطوات سريعة، عدت الى مكتب الوزير الذي سبق أن وافق على اجراء التحقيق قبل نصف ساعة ومعي ورقة «بلا كاميرات «. وحين علم مدير مكتبه، أجرى اتصالاً هاتفياً سريعاً بالمديرة (أم الثلاجة) وأسمعها كلمات تشبه المواد الغذائية المتعفنة في ثلاجتها واعتذر مني عن التأخير!.