المنبرالحر

ضرورة الاستعداد لمرحلة ما بعد داعش / مرتضى عبد الحميد

ما حدث من اصطدامات عنيفة ومعارك في مناطق عديدة من بلدنا، بعد تحريرها من داعش ليست مؤسفة وحسب، وانما تمزق نياط القلب، وتدق مسماراً صدءاً جديداً في صرح الوحدة الوطنية، التي كثرت الشروح فيه، من أناس يتراوحون بين باحثين عن مصالحهم الشخصية الانانية، حتى لو كانت بين اكوام القمامة، ومستعدون تبعاً لذلك ان يحرقوا العراق بمن فيه، ضماناً لتحقيق هذه النزعة الاجرامية، واناس آخرين لا تستطيع تمييزهم عن البهائم في قلة عقلها وطيشها وتطرفها الذي يقود شاؤا ذلك ام أبوا الى تدمير الذات قبل الآخر.
وبصرف النظر عن كل التداعيات الآنية السلبية، التي اسفرت عنها الاصطدامات العسكرية بين البيشمركة والحشد الشعبي وبعض ابناء العشائر، بعيدا عن داعش التي لن يفرح او يستفيد احد غيرها، فانها بمثابة جرس انذار لمرحلة ما بعد داعش وعودة الحياة الى مجراها الطبيعي كما هو مفترض، سيما وقد اتضح ان هذا التنظيم الارهابي وُلِد ليموت عاجلا ام آجلا، بعد ان يؤدي الغرض من تشكيله على ايدي دول اقليمية واسيادها من الدول البعيدة. وهذا ما يعرفه كل من له دراية ولو بسيطة بحركة الارهاب بدءاً من الفغان العرب الى ابو بكر البغدادي وإن كان الدواعش قد انتبهوا الى ظاهرة الانشطار الاميبي في منظمات اسلافهم القتلة، فاعلنوا ما يسمى بالخلافة، لانها من وجهة نظرهم جامعة مانعة لادامة عمرهم الافتراضي.
من يظن ان ما حصل في طوزخورماتو وبقية المناطق، امر عابر لا يستحق التوقف عنده، واهم من قمة رأسه الى اخمص قدمه، لانه يعكس حجم الغلّ والتحامل والكراهية التي عشعشت في ابدان وعقول البعض، نتيجة لغسيل الدماغ الطائفي والقومي والعشائري على مدى السنوات الماضية وما زال مستمراً الى يومنا هذا، وقد تحول بمرور الوقت الى تجارة رابحة تجلب المناصب والكراسي، وتحقق اعلى الاصوات في الانتخابات، سواء تم ذلك عن طريق اللقاءات المباشرة او عبر الفضائيات والصحف والمواقع الالكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي التي لا تعد ولا تحصى، نافثة السموم، وتخوين الآخر والتأليب عليه، دون ان تنسى التذكير بمناسبة وبدونها، بأنهم الفرقة الناجية، ولا احد غيرهم!
لقد فعلت حسناً سلطات الاقليم في حينها بفض تجمع الجهلة الذين احرقوا العلم العراقي، وكذلك السلطات الرسمية في كربلاء بتفريق واعتقال الذين احرقوا العلم الكردستاني، وداسوه باقدامهم، ومعالجات حكيمة اخرى قام بها بعض المعنيين المدركين لخطورة مثل هذه التسلكات المتطرفة واللا اخلاقية وعمق تأثيرها المستقبلي.
لكن هذه الاجراءات على صحتها غير كافية، والمطلوب التعامل بحزم اكبر مع هؤلاء المشعوذين وان يكونوا عبرة لغيرهم، ممن يمتازون بضحالة العقل وفساد الضمير.
ويظل الحل الجذري معلقاً بأهداب الارادة السياسية للحكومة الاتحادية ومجلس النواب. وحكومة الاقليم لرأب الصدع والتخلي عن المحاصصة الطائفية والقومية التي اوصلتنا الى هذا الدرك المهين، وإجراء مصالحة وطنية حقيقية ليكون باستطاعة العراقيين الذين يواصلون حراكهم الشعبي ببسالة نادرة، بناء الوطن الذي يريدونه، وطن السلام والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.