المنبرالحر

عوائل الفساد / محمد شريف أبو ميسم

يكشف واقع الفساد المستشري في الكيان المؤسسي والمجتمعي في العراق قصص وحكايات قد تتفوق في حبكتها ونسج أحداثها على ما كنا نشاهده في الأفلام العربية.
أحدهم حدثني عن عائلة تهيمن على المؤسسة التي يعمل بها ، وأوضح لي انه من الرافضين للانصياع لأرادة هذه العائلة والعوائل الاخرى التي تحف بها، مدعيا انه لم يستسلم يوما لطغيان النظام السابق فكيف له أن يستسلم لطغيان عوائل الفساد .. الا انه ما لبث في حديثه أن أشار الى حرمانه من كل امتيازات الوظيفة التي يتمتع بها أقرانه ، سواء منها حقوقه في الحصول على الدرجة الوظيفية ، أو امتيازات الحصول على منصب اداري برغم خدمته وكفاءته، فيما يتمتع أقرانه أو الذين لا يملكون مؤهلاته أو خدمته بكل الامتيازات والايفادات، مؤكدا انه مستهدف دوما من قبل أفراد هذه العائلة وزبانيتها في أوقات الحضور والانصراف وتنفيذ الأوامر والترفيعات والامتيازات متوقعا انه سينقل قريبا رغما عنه. ولم يخف صاحبنا خوفه من أن يتعرض الى (غدر ما) اذا ما كشف بعضاً مما بحوزته بشأن هذه العائلة !
هذه القصة التي لم تسرد تفاصيلها بالكامل، وغيرها الكثير تتشكل أحداثها بفعل اختلالات مؤسسية ومجتمعية في ظل ضعف السلطات الرقابية وسيادة منطق الفساد.. بيد ان اللافت فيها ان هذه العائلة وغيرها من عوائل الفساد في الجهاز التنفيذي للدولة، لم تعد تخشى من أي جهة رقابية وهي في واحدة من نشاطاتها ما عادت تساوم من يريد الحصول على وظيفة ، لان الأسعار ثابتة وسماسرتها ملتزمون بتلك الأسعار.
وعليه بات من الطبيعي أن لا يلتزم الموظف الجديد الذي يدفع لهؤلاء بهدف الحصول على الوظيفة بمعايير العمل الاخلاقية وسيكون مادة صالحة لاضافة عنصر فساد جديد لمؤسسات الدولة، لا بل سيشكل اضافة خطيرة لاستدامة الفساد وعرقلة العمل، مع وجود سماسرة وعوائل الفساد التي تدير سوق العمل بالرشى لأن البعض من هؤلاء الشباب ربما يلجؤون الى أساليب العصابات للحصول على المال الذي يحدده السماسرة، أو ربما يلجؤون الى الاستدانة من آخرين بهدف دفع المال والحصول على الوظيفة .. وبالتالي فان الأعداد الهائلة من هؤلاء الراشين ومعهم من يحصل على الوظيفة بحكم صلة القربى والواسطات ، سيتحولون الى مرتشين وسراق للمال العام ولا أباليين على أقل تقدير في جهاز الوظيفة العامة. وهذا جانب يعكس حقيقة تطور معدلات حالة الفساد وتطور أدواتها في مؤسسات الدولة العراقية عما كانت عليه في السنوات السابقة. ان المهيمن الآن على مؤسسات الدولة هو كما يبدو امثال هذه العوائل وسماسرتها، وهذه حقيقة يرفض الاعتراف بها من يدعي انه قائم على الجهاز الرقابي.. هؤلاء السماسرة يخرجون من تشكيلات العوائل التي باتت تسيّر المؤسسات لا بل الوزارات ( اذ أن وزارة ما تتشكل فيها العوائل من داخل مؤسساتها صعودا الى مقر الوزارة والمؤسسات التابعة لها ، فيما تتشكل عوائل أخرى من مقرات الوزارة نزولا الى المؤسسات التابعة لها ) فترى عائلة ما تتكون (مثلا) من العديد من الموظفين في الادارة العامة لمؤسسة ما ، الا ان هذه العائلة هي بمثابة الهيئة الادارية لتشكيل العائلة الكبيرة أو العشيرة المنتشرة في فروع ذات المؤسسة ومقر الوزارة والجهات التابعة لها، يحف بها السماسرة والمتملقون ودافعو الأتاوات. وعلى صغار الموظفين أن يقدموا فروض الطاعة لتشكيلات هذه العوائل، وبعكسه سينزل عليهم غضب السلطان، فلا يحميهم وزير أو خفير فالقانون والتعليمات الادارية بيد هذه العوائل والترفيعات والعلاوات والايفادات والمكافآت ، لا بل العقوبات والتنقلات جميعها تخرج من معطف هؤلاء الذين يسيّرون مؤسسات الدولة .. وهذا الأمر لا ينحصر في وزارة دون غيرها ، الا انه يختلف على استحياء بين وزارة واخرى. اذ ان بعض الوزارات تجاوزت منطق الخوف أو الادانة في تشكيل هذه العوائل ، بعد أن أضحت سمة ادارية غير معيبة في تشكيلاتها .