المنبرالحر

حرب الخنادق وغياب الفوارق / مرتضى عبد الحميد

يقول «فولتير»: حتى اللص يقول بسم الله عندما يدخل المفتاح في ثقب الخزانة التي يريد سرقتها. وهذا هو حال بعض المسؤولين في دولتنا العتيدة، التي أصبحت مثلاً لا يحتذى في الفشل وانهزام العقل أمام الجهل والتخلف والأنانية.
لقد استبشر العراقيون خيراً، وداعب الأمل نفوسهم الحزينة، غداة الانتصارات العسكرية والأمنية لقواتنا المسلحة الباسلة، وحلفائها من أبناء العشائر والحشد الشعبي، في الرمادي وبيجي وصلاح الدين، وفي بقية المناطق العزيزة من وطننا، وكذلك المساعي النبيلة إلى تهدئة الأجواء بين الحكومة الاتحادية والاقليم، والوصول الى حلول ناجعة لكل المشاكل العالقة بينهما، حيث لا توجد مشكلة من دون حل مهما كبرت، وعظم حجمها، إذا توفرت النية السليمة وجرى النزول عن «بغلة» كل طرف من الأطراف.
واضافت لقاءات الرئاسات الثلاث مع الأحزاب والكتل السياسية، نكهة جديدة إلى المشهد السياسي، ورفعت من منسوب التفاؤل، الذي كان شحيحاً، ولا يزال.
وكان الجميع أو الأغلبية من العراقيين يتوقعون المضي في هذه المسيرة، وإن شابها الكثير من العثرات و(الطسات). لكن البعض كما يبدو قد أدمن إقامة المتاريس وزراعة الألغام لغاية في النفس، أو إستجابة لهواجس الذات اللاواعية، نتيجة حقنها ولفترة طويلة بالشحن الطائفي والتعصب القومي.
هل تكفي هذه المقدمة لتفسير حرب الخنادق التي اشتعلت في الآونة الاخيرة؟ فإقليم كردستان أسند مهمة حفر خندق كبير الى شركتين فرنسية وامريكية، وقيادة عمليات بغداد أصابتها العدوى، وأعلنت أنها ستباشر في اقامة خندق حول العاصمة بغداد بعرض ثلاثة أمتار وعمق مترين. وفي كربلاء يبدو أن النية تتجه إلى نفس الغرض. والجميع يبررون هذا الهوس الجديد بحماية المواطنين ومدنهم من هجمات «داعش» في وقت بدأت فيه هذه المنظمة الارهابية تترنح من قوة الضربات الموجهة إليها، والسعي الحثيث إلى كنسها من كل الاراضي العراقية.
إن الشكوك التي أعرب عنها العديد من السياسيين وجمهرة من المواطنين العاديين، مشروعة تماماً، وتثير القلق لديهم، خوفاً من أن يكون الهدف غير المعلن من عملية «الخندقة» هذه، هدفاً طائفياً، لعزل مناطق العراق ومدنه عن بعضها، وصولاً الى هدف التقسيم المشؤوم.
إن الحفاظ على الأمن والاستقرار لا يأتي، ولا يمكن تحقيقه عن طريق حفر الخنادق التي تكلف اموالاً طائلة، في وقت يقول فيه المسؤولون، أن الاقتصاد العراقي يوشك على الانهيار، واتخذت الحكومة اجراءات تقشفية، ضحاياها المواطنون ذوو الدخل المحدود والمتقاعدون.
ما يحفظ الامن والاستقرار للعراقيين، ويوفر الفرصة لهم لأعادة بناء عراقهم ديمقراطياً، هو الجدية في إصلاح العملية السياسية، وتحقيق ما يصبو اليه ابناء شعبنا، في تنفيذ بقية الاصلاحات السياسية والادارية، وبضمنها إعادة الخدمة الالزامية وهيكلة المؤسسات العسكرية والامنية من جديد وعلى أساس الوطنية والنزاهة والمهنية، ليكون ولاؤها خالصاً للعراق وشعبه، ومؤسساته الدستورية، لا لأحد غيرها. وهو ما ينادي به المتظاهرون منذ أشهر عديدة، ومعهم المرجعية التي رمت بثقلها من أجل تحقيقها، وعدم التهاون أو التلكؤ في وضعها موضع التطبيق.