المنبرالحر

في البحث عن آمال واعدة / رعد مجيد الواسطي

حفلت الذاكرة العراقية على مدى خمس وثلاثين سنة بكم هائل من الطغيان ومصادرة الحريات والاعتقالات وأحكام الإعدام لكل من يشك في ولائه لدكتاتور لا يرى في الأشياء إلا صورته والتسبيح باسمه بوصفه القائد الضرورة ولهذا الغرض احتكر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة لتبرز مكرماته في بناء مدرسة أو تبليط شارع وتوزيع المكارم والأوسمة على المرتزقة والمطبلين . هذا ما اعتدنا عليه طيلة تلك السنين العجاف .
وها قد زال النظام وصنمه واستبشر المواطن العراقي بحلول عهد جديد بعد عام 2003 وغرق في نشوة غامرة وهو يشم ولأول مرة نسيم الحرية دون أن يستغرق في التفكير في قادم الأيام ،فيما كان المحتل الأمريكي يرسم خارطة جديدة للعراق تتلاءم مع مصالحه الإستراتيجية في المنطقة . تمخض الجبل فولد فارة حيث كانت الخارطة تتضمن نظاما سياسيا جديدا قائما على الطائفية الاثنية من اجل تحقيق توازن اجتماعي جديد ليس سوى لبننه العراق . لكن المواطن العراقي وهو غارق في نشوته لم يفقه إبعاد هذا النظام الجديد بسبب كرهه المفرط للنظام ألبعثي البائد وهو محق من هذه الناحية ،كما انه كان متأثرا بهذا الشكل أو ذاك بثقافة طائفية زرعها النظام ألبعثي نفسه.
بيد إن النظام الجديد الذي لم يدرك أبعاده المواطن لأول وهلة ،قد أنتج وضعا جديدا لم يقتصر على الطائفية والاثنية ، بل ذهب إلى تنمية منظومات من العشائرية والمنطقية والجهوية اقتضتها مصالح الكتل التي تربعت على عرش البرلمان والحكومة ما أدى إلى نهب غير معهود للثروة، فظهرت على المسرح الطبقات الطفيلية والبيروقراطية والكومبرادورية ، لازمها صراع حاد ليس لإعادة مسار العملية السياسية إلى خطها الصحيح وإصلاح بنيتها الاجتماعية والسياسية ،كما يصرح رموزها ، بل للاستحواذ على المزيد من مواقع النفوذ وسلطة القرار .وهذا الانحراف في التوجه قاد إلى خلق بيئة سياسية تعاظم فيها دور الإرهاب ومنظومات ميليشياوية متغلغلة في معظم أجهزة الدولة بما فيها الأجهزة الأمنية ،وتصاعد نسبة الفقر والبطالة واستشراء الفساد المالي والإداري وتدهور مزر في الخدمات .
إن المواطن العراقي المثقل بهذه الأعباء وإحداث القتل اليومي والتهجير بترك الدار والجار والأحبة والخلان وأيام الصبا ، خرج من نشوته وراح هذه المرة يفكر بالبديل السياسي الذي ينقذه مما هو فيه مندفعا مع غيره في تظاهرات تمثل فعلا جنينيا في المحافظات الجنوبية إلى جانب الحركات في المحافظات الغربية وان اختلفت في شعاراتها إلا أن لكل منها خصوصياتها. فهل يتعض من بيده القرار ويستمع بإمعان وحكمة إلى مطالب الجماهير العادلة والمشروعة ونصائحها في إعادة النظر بمنهجية الحكم التي أدت إلى هذه المخرجات المدمرة والذهاب هذه المرة بجدية إلى طريق الحوار مع كافة القوى المؤمنة بالعملية السياسية في إطار مؤتمر وطني عام وصولا إلى خارطة جديدة عابرة للطوائف والقوميات وبديلا وطنيا ديمقراطيا يحظى بتأييد كافة العراقيين .