المنبرالحر

الأنظمة العربية بين الاصلاحات الحقيقية والاصلاحات الشكلية / رضي السماك

في ظل الأنظمة الاستبدادية العربية التي اُبتليت بها شعوبنا العربية جمعاء، وإن بدرجات متفاوتة في حجم الاستبداد ، عادةً ما يثير أي خبر عن اجراء إصلاحات شكلية ترقيعية لامتصاص غضب الجماهير العارم فرحة لدى أقسام غير قليلة منها على أمل تطوير حزمة تلك الاصلاحات الشكلية المحدودة المعلن عنها وتجنيب البلاد والعباد الفواتير الباهظة الكارثية المتوقعة من الاصطدام بتعنت وعجرفة السلطة الاستبدادية العربية لرفضها حتى الحدود الدُنيا من حزمة اصلاحات الحقيقية التي قد تطاول رموزها المتنفذين . ولعل الاعلان عن قرب تشكيل وزاري جديد ، او حتى تغيير وزاري محدود ، هو من اشكال إصلاحات ذر الرماد في العيون ، إن جاز التعبير ، والذي لربما يثير حماس اقسام من المواطنين تلهفاً لمعرفة الاسماء الجديدة . لكن ليس خافياً ان شعوبنا العربية قد سأمت الوجوه الوزارية التي طال بقاؤها على كراسيها وأثبتت فشلاً ذريعاً في الحقائب الوزارية التي تولتها ، او حتى الوجوه الجديدة منها التي جيء بها لاعتبارات قبلية او فئوية او حزبية او تبعاً لعُرف المحاصاصات المفروضة .. يحدث ذلك بوجه خاص حينما يوأد حلمها في امكانية التغيير أو الاصلاح الشامل الجذري لأنظمتها ، ولذلك تكتفي بتمني النفس بوجوه وزارية جديدة لعلها تمتلك ولو حداً أدنى من الكفاءة وتحسس مصالح الناس وليس لديها نهم كبير من الفساد . ولو ان تسلل مثل هذه الوجوه الى التشكيلات الوزارية لخطأ ما في حساب اختيارات الحكام ، او لأغراض ما تاكتيكية ، كمكيجة وقتية للقبح التي باتت عليه تلك الأنظمة هو أمر بات أشبه بالمستحيل في ظل انسداد أفق التغيير ومراهنة الانظمة الشمولية ، وأشباهها المتشدقة بالديمقراطية ، على تركيع شعوبها بالقبضة الحديدية المشددة وليس سواها .
ولو افترضنا معدلاً وسطياً لبقاء لفترة بقاء عدد من الوزراء العرب في كراسيهم يتراوح بين ال 15 سنة وال 20 عاماً ، ولو سلّمنا جدلاً أيضاً بأن لكل انسان مزاجه أو ديدنه الخاص ، أياً تكن نسبة الإيجاب أو السلب في هذا المزاج والطبع ، فلك ان تتخيل والحال كذلك مأساة جماهير شعوبنا العربية تحت رحمة مزاج وطبائع وزراء غريبي الاطوار متقلبو المزاج في العلاقة مع مرؤوسيهم طوال امتداد تلك الفترة الطويلة من مكوثهم في وزارات في ظل غياب دورة حقيقية لتداول السلطة أو إن وُجدت فباللعبة المعروفة في أقطارنا العربية المفرغة من القيمة الحقيقية لتداول السلطة في الأنظمة الديمقراطية العريقة في العالم .
إن مسألة نزوع الغالبية العظمى من الحكّام العرب أو الأحزاب الحاكمة إلى تغليب ما يٰعرف ب " أهل الثقة " في التعيينات الوزارية والادارية من شركائهم الانتماءات القبلية او الطائفية او القومية .. إلخ ، على أهل الكفاءة ليست وليدة اليوم او العقود القليلة الماضية ، بل تضرب بجذورها إلى تأسيس الدولة العربية منذ مطلع عشرينيات القرن الماضي ، ولعل مصر والعراق هما الأشهر في تزامن بناء الدولة الحديثة منذ مطلع عشرينيات القرن الفائت، ومن سخريات التاريخ ان الوزراء الذين من أهل الثقة التي كانت تعينهم الحكومات العربية قبل نيل استقلالها بالكامل سواء لاعتبارات حزبية أو جهوية او قبلية أو طائفية أو قرابية او مناطقية أو لضغوط الاحتلال في ذلك الزمان كان هناك على الأقل ثمة نسبة ولو ضئيلة من الحرص على أن يكون عدداً منهم من أهل الثقة والكفاءة معاً ، في حين أصبحت الغالبية الساحقة من الدول العربية في وقتنا الراهن تتوخى ، على نحو هوسي مُفرط ، مدى ولاء الوزير للقبيلة الحاكمة او للحزب الحاكم او الطغمة العسكرية الحاكمة المطعمة بوجوه مدنية تدين لها بالولاء والطاعة العمياء اكثر من أي اعتبار آخر .
ولا غرو في أن يحدث ذلك في ظل غياب نظام للمراقبة والمحاسبة ، والفصل الحقيقي بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، والتسيٌد الكامل للاولى على السلطتين الاخيرتين بينما تزخر بلادنا العربية بطوابير من ملايين أو مئات من آلاف العاطلين من ذوي الكفاءات أو الخبرات الذين يتم تهميشهم واقصائهم ، وكل جريمتهم أنهم لا يحظون بالثقة في موالاة قيادة الدولة العربية ، بل وحتى لو غابت أي شبهة في ضمان موالاتهم لها فإنهم يُقصون على الهوية الحزبية أو الدينية او العرقية او الطائفية أو المناطقية ومن هنا تتخلف الدولة العربية ويتعاظم انعدام ثقة المواطنين في قيادتها ، وتصبح الانظمة عرضة للتآكل والانهيار التدريجي إن لم يكن السريع ، وتنضج الظروف الذاتية والموضوعية آجلاً او عاجلاً لإنفجار ثورة شعبية عارمة ضدها ولا تقبل أقل من اقتلاعها من جذورها الهشة المتآكلة .