المنبرالحر

لماذا تخلفنا وتقدموا ؟!! القسم الثاني / د. ناجي نهر

في القسم الاول من هذا المقال وثقنا السبب الاساس في تقدم المجتمعات الغربية، بسبب وحيد واوحد هو فصلهم (ثقافة الدنيا عن ثقافة الآخرة).. وسوف لن يتعدى الجواب العلمي لهذا القسم من السؤال عن اسباب تخلفنا ،سببين اساسيين لا ثالث لهما [الجمود الفكري ، والتبعية للأجنبي]. فهذين السببين الاساسيين ،وربما مع اسباب اخرى متفرعة اديا الى تخلف مجتمعات دول العالم الثالث بخاصة ،غير اننا من خلال معرفتنا التحليلية بماهية كل من هذين السببين واثرهما على تطورنا السلبي والايجابي في العام والخاص من حركة واقعنا ، وربطها بتطور الثقافة المجتمعية العالمية الناجحة في ترسيخ منهج الحداثة والتجديد ،سنتوصل نحو قناعة علمية بصحة الجواب واعطاء العلاج الشافي بتغيير الحال: وكما هو موثق تاريخيا ،، فالسبب الاساس في تخلف مجتمعات دول العالم الثالث دون استثناء، هو التبعية للاستعمار البريطاني او الامريكي ،او لكليهما معا ، لحد ان هذه الشعوب قد اضحت اليوم لشدة تخلفها تسمى ب(العالم الرابع) بمعنى العالم الاكثر تخلفا عما كانت عليه سابقا. ثم وكما هو موثق تاريخيا ايضا ،فان هذين الدولتين، وامريكا بشكل خاص هي مما تعد قد صنعت الإرهاب في هذه الدول ، ،ابتداءا من تبني امريكا لطالبان في افغانستان ،وتسخيرها لوأد الثورة التقدمية هناك والفتك بقائدها نجيب الله.. كما اثبتت الوقائع في مختلف الدول التي تعرضت لحوادث الإرهاب المعاصر، ان الإرهاب هو منتج الإمبريالية الأمريكية المعولم بامتياز ودون منازع ،وان القضاء عليه سوف لن يكون صعبا ، بل يكفي امتناع هذه الدول عن التزود بالتقنية التسليحية الأمريكية والحيلولة دون انعاش اقتصادها المنهار، ،وتحجيم دور وعاظ السلاطين عملاء امريكا الاشداء ،وخوض الحوار السلمي بين العلمانيين والسلفيين للتوصل الى قناعات مشتركة لخلق عالم جديد ،تسوده المحبة والسلام ، يؤسس لدول ديمقراطية ،تحقق عمليا وحدة مكونات المجتمع المدني بالعدالة الانسانية ،وتنفيذ مقررات منظمات حقوق الانسان الدولية، وتحقيق المساواتية بين المواطنين بتفعيل عمل المنظمات الحكومية ،والمؤسسات الجماهيرية الشعبية ،التي هي لوحدها قادرة على حماية المجتمع وثرواته من السرقة ،ومن تسلط عملاء امريكا المدربين على تدمير العلاقات المجتمعية والحضارية والإنسانية والحيلولة دون انتشار السرقة والفساد في بلدانهم.
اما سبب الجمود الفكري في هذه البلدان الصغيرة المتخلفة ،فهو لن يقل اثرا في ديمومة التخلف والاستغلال، وتوارث الانظمة فيها. ولكن هذا الواقع المزري سوف لن يحتاج للتخلص منه ايضا ،سوى القناعة والاعتراف بضرورة تجديد الافكار نحو التطور الافضل ،على وفق منهجية علمية متواصلة التوعية ومتناسبة مع تطور قوانين حركة الحياة، بالاستفادة من تجارب الانسانية المتقدمة. ولذلك فسيكون للتباطؤ والتخلف المجتمعي في فهم هذين السببين، ومعالجاتهما بعلمية ، آثار سيئة جدا ،وتداعيات ضارة للغاية تشمل واقع الناس المعاشي والفكري والنفسي. اما سبب تجذر الافكار السيء في مجتمعاتنا ،فقد بتنا نلمس ونشاهد انعكاسه حتى على تصرف بعض المسئولين السياسيين (الصالحين) منهم، ومن الذين نراهم يتخاذلون في تطبيق اجنداتهم الصحيحة ويطبقونها بشكل خاطئ بالضد من رغباتهم الشخصية السليمة التي يعلنونها امام الشعب ،بسبب تجذر ثقافة السلف المتخلفة في وعيهم، بكل ما فيها من عادات وتقاليد ضارة كانوا هم انفسهم، يتلمسون ضررها اليومي وينتقدونها، ويحسون بصعوبة تطبيقها على الواقع ،عند مقارنتها بما مطبق من ثقافة عصرنا الجديد ،فهذا السياسي ربما لن يعي تماما ما يعد به الشعب من منجزات ضرورية لإدامة الحياة، لأنه مرتبك الوعي ،او بالأحرى مضغوط الوعي بين ثقافتين(قديمة وجديدة) مما يضطره الى التخبط والكذب، والتقهقر والبحث عن الغريب من الكلام ،فيصبح من العبث وغير المجدي الاستمرار بمحاسبته ونقده، ومطالبته بعمل صالح ينفع الناس، من قبل ان تتم توعيته بكيفية الخلاص من ثقافته السابقة التي باتت ضارة وغير صالحة للتطور المستدام. ولكن هذا لا يعني باي حال من الاحوال تبرأة ساحة الساسة الانتهازيين وتصنيفهم كالساسة الذين يتصفون بالبراءة ، فالساسة الانتهازيون عرضوا شعوبهم الى الخطر عن عمد وسبق اصرار وسرقوا ثروات شعوبهم واباحوا من المفاسد والاحتيال السيء العجب العجاب ، وكان الاسوأ فيهم انهم دفعوا الناس البسطاء نحو الجمود على ثقافة السلف والبقاء على ذات الحال ،بحجج مربكة ومخادعة. فبرغم المئات من المقالات والدراسات العلمية المنشورة يوميا على وسائل الاعلام والاتصال والهادفة نحو نصحهم وتصحيح مساراتهم الثقافية والسياسية ،ولكنهم يصرون على جمودهم بقوة وسبق اصرار لحد التقديس ،وكأن لا حياة لمن تنادي، وكأن التطور السريع المدهش الذي يستفيدون من خيراته واستعمالاته اليومية غير نافع لهم ولن يحرك ساكنا من وعيهم او يفل بعضد اخلاصهم لأسيادهم!!.
ولذا فأن تفسير الانحطاط الحضاري الذي نشهده هذه الايام في مجتمعات ودول العالم الثالث بمختلف مستوياته ،انما يعود لتجذر ثقافة السلف في وعي هذه الشعوب ، بسبب مما تحملته وما كانت عليه شدة التسلط والظلم والقهر للأنظمة الدكتاتورية المتوارثة ،التي افرزت الافكار الانتهازية الخبيثة التي احدثت شرخا واسعا بين طوائف المجتمع وتوترا ونفورا مذهبيا ، بعكس المطلوب. وهذا يتناقض مع ما يتصف به القادة المخلصون من قدرة على سبر غور الثقافة المعاصرة وتطبيقها بحكمة وشجاعة ،والعمل المسئول النافع للجميع ،والموحد للصفوف، والناجح والمنتصر في مواجهة مختلف التحديات وقهرها. فمجتمعات دول العالم الثالث ليس بحاجة البتة الى تغيير وجوه وعناوين الساسة، بل بحاجة الى تغيير الثقافة القديمة بثقافة انسانية جديدة متناسبة مع سمة العصر وثقافته. وهذا صعب المنال والتحقيق ، بغير ثورة ثقافية جديدة، على غرار ثورة الشعوب الغربية التي فصلت فيها ثقافة الدنيا عن ثقافة الآخرة وحققت نجاحها بثورة توعية شاملة وواعدة، ومتواصلة ،ساهمت في انجاحها مختلف مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني ومناضلون متخصصون.