المنبرالحر

الطبقة السياسية الهشة / سامي سلطان

لا يختلف اثنان على ان المشهد السياسي العراقي معقد جدا وهو يزداد تعقيدا يوما بعد اخر وفي هذا السياق ، يستمر الفرز والتشظي في مختلف المستويات على خلفية الصراع على السلطة والنفوذ، وبين هذا وذاك هناك من يتدفأ على موقد هذا الصراع المحموم متلذذا بكل ما يجري ، طالما ان ذلك لا يمس مصالحه ولا يعرقل مشاريعه، لهذا تراه غير مستعجلاً من امرهِ لان الوضع (عايز كده) كما يقول اخوتنا المصريون.
وفي خضم الاحداث المتسارعة، توضع كل الاوراق على الطاولة اذ لم يعد هناك من مستور حتى صار القاصي والداني يعرف خطوط اللعبة ومن هم اللاعبون الرئيسيون على الساحة.
اثبتت التجارب خلال ثلاثة عشر عاماً من حكم الطبقة السياسية المدعومة من جهات باتت معروفة لأبناء الشعب وصار الجميع يؤشر عليها بالبنان، وهي الولايات المتحدة الامريكية وإيران وبعض دول الخليج. فهي التي تقرر شكل النظام السياسي وحجم القوى الفاعلة فيه وفقا لمعايير المصالح الحيوية المشتركة لهذه الدول التي تبرم الصفقات، وهنا لابد من التأكيد على ان لكل الدول الحق في تأمين مصالحها وهذه ليست سبة ولا عيبا، لكن مع ذلك فانه ليس للدول الحق في التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الاخرى، هذا ما نصت عليه القوانين الدولية وأقرت شرعيته الامم المتحدة، حيث اكدت على احترام السيادة الوطنية للدول ورفض التدخل بكل اشكاله، هذا ما سطر على الورق، لكنه يُفصل على مقاسات القوى العظمى المالكة للقوة العسكرية والمادية في شرق الكرة الارضية وغربها، ولمجرد النظر الى الوراء قليلا نرى الكم الهائل من التدخلات في الشؤون الداخلية لبلدان ذات سيادة، فأسقطت حكومات غير مرغوب فيها!!، لأنها فكرت بمصالح شعوبها.. كما حدث لثورة تموز في العراق عام 1958 حين شرعت قانوني العمل والإصلاح الزراعي وأصدرت قانون رقم 80 المشهور الذي اعاد سيادة البلاد على ثرواته الوطنية .. وكما حدث في امريكا اللاتينية ( شيلي) وغيرها من الدول في افريقيا وآسيا، ، وحمت اخرى موالية (عميلة) لان المصلحة تقتضي وهنا يبرز السؤال .. لماذا تقدم الدول الكبرى على هذا الفعل؟
الجواب باختصار، دون الخوض في العديد من التعقيدات والتفاصيل، ان الوضع الداخلي لهذه البلدان وبالتحديد الطبقة السياسية الهشة التي تعتمد مبدأ النفعية وضيق الافق واغتنام الفرص يجعلها مهيأة نفسيا لتقديم التنازلات مقابل الحصول على اكبر حصة ممكنة . ومن هنا فهي لا تفكر بانتمائها الوطني، اما واذا كانت حاملة لجنسيات بلدان اخرى فهنا (حدث ولا حرج) .
ولو اسقطنا كل هذا على الواقع المزري الذي يعانيه العراق اليوم، فان الصورة تصبح اكثر جلاءاً ولا نحتاج الى الكثير من العناء لتشخيص مواطن الضعف والخلل.. هذا اذا سلمنا ان البناء اسس على قاعدة هشة منخورة حتى النخاع رغم ما احيطت به من عناوين مثل الدستور والانتخابات البرلمانية وغيرها من الشعارات البراقة الخالية من معناها الحقيقي، فصارت الدولة العراقية!! على وصف الشاعر العراقي الكبير معروف الرصافي:
علمٌ ودستور ومجلس أمة.....كل عن المعنى الصحيح محرف
أسماء ليس لنا سوى ألفاظها.....أما معانيها فليست تعرف
والواقع اليومي على الارض .. غزير بالمعطيات التي تؤكد ذلك، فالطبقة السياسية الطفيلية التي تشكلت بعد احتلال العراق عام 2003 كانت مشوهة من جوانب عديدة وبفعل ارتباطها بالخارج وبتخبطها وسوء سلوكها الحقت الدمار والخراب بالوطن والمواطن، وهي ماضية بهذا السبيل حيث تنحدر البلاد نحو المجهول هذه الايام، وصحوة الضمائر لازالت في مهدها ولكن وان صحت هل هي قادرة على عبور الازمة الخانقة التي تعصف بالوطن، إذ يدفع ثمنها ابناء شعبنا دماءاً طاهرة، هذه الدماء التي تستصرخ ضمائر كل الشرفاء المخلصين لقضية الشعب والوطن، الذين عليهم وحدهم تقع مسؤولية اعادة الأمن والاستقرار للوطن الذي عانى الكثير من العذابات.