المنبرالحر

"بليونيريو التكنولوجيا يغتنون على حسابنا.. و يريدون أن يطعموننا الفتات"* / ترجمة د.عادل مطلوب

كل شهر، يحصل في بريطانيا حوالي 20في المئة على شيك الضمان الاجتماعي. ماذا لو كان هذا العدد يصل الى 100في المئة ماذا لو أن الحكومة تعطي للجميع دخلاً مضمونا؟
هذه هي الفرضية وراء الدخل الأساسي العالمي (يو بي أي)، فكرة ذات تاريخ طويل و مثير للدهشة. إن شعبيتها كانت قد وصلت إلى ذروتها في السبعينات و هي تبرزالآن، بعد نومها لعقود قليلة نسبيا، أنها في طريقها الى العودة. وقد أعلنت مشاريع رائدة في فنلندا، وهولندا، وكندا. هذا الصيف، سيصوت الناخبون السويسريون في استفتاء يمكن أن يعطي لكل الكبار بحدود 2,500 دولار شهريا.
هذه المقترحات لا تختلف كثيرا عن تلك التي طرحت منذ 40 عاماً. و الجديد هو السبب الكامن وراءها وهو إحياء الدخل الأساسي الحالي بدافع الخوف من التكنولوجيا – على وجه التحديد، الخوف من أن البرمجيات والروبوتات ستسحوذ على وظائفنا، و تخلق أزمة اجتماعية واسعة النطاق و التي لا يمكن حلها فقط إلا عبر "يو بي أي". إن نخب صناعة التكنولوجيا أصبحوا من أبرز وأقوى مؤيدي الـ"يو بي أي"، ولا أحد يحاول أن يجعل هذه الحجة أكثر تأثيرا منهم.
يدعو الكاتب لورين ساميلي "وادي السليكون –الى الدخول الأساسي في رومانس-" : بمجموعة من أصحاب رؤوس الأموال وأصحاب المشاريع والمهندسين والمستقبليين الذين يشكلون معا شبكة غير رسمية وبتمويل جيد جداً في مجال الدعوة الى "يو بي أي". و أكثرهم شهرة هو "سام ألتمان"، رئيس " واي كومبنيتر"، و هي حاضنة مبتدئين التي أعلنت مؤخرا بأنها ستقوم بدراسة رئيسة عن الدخل الأساسي؛ وألبرت فينغر، الرأسمالي الذي يكتب تعليقات تقرأ على نطاق واسع؛ وبيتر ديامانديز، مؤلف الكتاب الأكثر مبيعاً للكتب حول المستقبل وأحد المؤسسين لجامعة سنكولارتي.
نخب تك الـ"يو بي أي" غير متفقين بالضبط حول كيفية تنفيذ الدخل الأساسي. ما هو متفق عليه، وبشدة، هو لماذا نحن بحاجة إلى دخل أساسي في المقام الأول. في المستقبل القريب جداً، أنهم يعتقدون، إن الاختراقات في الروبوتات والذكاء الاصطناعي سوف تمحو العديد من المهن و تلغيها من الوجود. و إن الفجوة بين الأغنياء والفقراء سوف تنمو بشكل حاد، كما أن الملايين من الناس لن يكونوا قادرين على العثور على عمل. لذا فإن الدخل الأساس العام سوف يقدم لهؤلاء الناس وسيلة لتلبية احتياجاتهم الأساسية في الاقتصاد الذي سيجعلهم فائضين عن الحاجة بشكل دائم.
هذه الرؤية للمستقبل فيها بعض الافتراضات. و أحدها هي أن البطالة والبؤس الاقتصادي، هي من الظواهر التكنولوجية. إن دعاة التكنولوجيا لـ"يو بي أي" غالباً ما يجاهرون صراحة بهذه النقطة، مشيرين إلى العقود الثلاثة الماضية من ركود في متوسط الأجور واتساع في فجوة الثروة كدليل على أن التكنولوجيا تخلق عدم مساواة – ومن المرجح أن التكنولوجيا المتسارعة ستخلق المزيد. و هذا التفسير يتمتع بمصداقية واسعة النطاق، وكثيراً ما تتكرر في صفحات مجلة "ذا إيكونومكس"، وفي قاعات مؤتمرات دافوس.
حتى الآن، أنها خاطئة تماما. في جوهر قصة التفاوت التكنولوجي هي فكرة التغيير التقني المنحاز إلى المهارات (اس بي تي سي): إن النظرية بأن التكنولوجيا، عن طريق أتمتة الوظائف ذات الدخل المتوسط، ستقسم القوى العاملة إلى عمال ذوي مهارات عالية، و أجور عالية، وعمال من دون مهارات، وأجورهم منخفضة. هذا الاستقطاب يفجر عدم المساواة، لأن نخب العمال من ذوي المهارات سيجنون حصص متزايدة من المكافآت.
ولكن البيانات الاقتصادية لا تشير إلى وجود أي دليل على أن هذا هو بالفعل موجود. و إذا كان صحيحاً، ستتوقع بأن ترى العمال المتعلمين سيستخدمون هذه المزايا لمهاراتهم في محاولة زيادة أجورهم بدلاً من ذلك. ظل نمو الأجور للعاملين راكدا منذ التسعينات على جميع مستويات التعليم. مثلا، يعتبر العاملون في مجال تكنولوجيا المعلومات، عموما، و هم في مجال المهارات العالية المثالية، لكنهم يكسبون، بحسب قيمة الدولار اليوم، ما معدله، حسب التضخم، كما كانوا يستلمون في أواخر التسعينات.
فإذا كانت التكنولوجيا ليست هي من يلقى عليها اللوم في عدم المساواة، إذن على من يلقى اللوم؟
العولمة تقودها النخبة، فتحول قوانين الضرائب، ونمو القطاع المالي، وقبل كل شيء، انهيار سلطة الطبقة العاملة منذ السبعينات. وليس عدم المساواة هو الناتج الثانوي الذي لا مفر منه نتيجة التغيير التكنولوجي. لو كان كذلك، لكانت البلدان الصناعية الأخرى ينبغي أن تظهر مستويات من التفاوت مماثلة للولايات المتحدة – وهي ليست كذلك. أن الولايات المتحدة لديها مستويات أعلى بكثير من عدم المساواة في الدخل والثروة من السويد، ولا أحد يستطيع القول بأن السويد بلد متخلف تكنولوجيا.
ما تمتلكه السويد، على أية حال، هو نقابات عمل قوية ودولة رعاية اجتماعية راسخة . وهذا يعني أنه عندما يحدث تغير تكنولوجي، كرفع إنتاجية العمالة، على الأقل بعض من المكاسب التي تحققت من زيادة الإنتاجية يتم تمريرها إلى العمال بدلاً من أن تذهب إلى أصحاب رؤوس الأموال على شكل أرباح. هذا ليس هو الحال في الولايات المتحدة، حيث نمت الإنتاجية على مدى العقود العديدة الماضية ولكن الأجور كانت ثابتة في مكانها. ما بين عام 1973 إلى عام 2014، نما صافي الإنتاجية بمعدل 72,2في المئة. و للفترة نفسها، ارتفع متوسط أجور العمل بمعدل 8,7 في المئة وفي الوقت نفسه، ارتفعت أرباح الشركات.
أن التكنولوجيا تحول الإنتاج، ولكن السلطة والسياسة تحدد كيف يتم توزيع الأرباح. ولهذا السبب، فإن المسارات الضعيفة للمنظمات العمالية تشير الى عدم المساواة الآن، و هي الأكثر موثوقية من الابتكار التكنولوجي. كما لاحظ المؤرخ كولين غوردون، فإن نصيب العمال من الدخل "قد انخفض بسرعة أكبر في تلك القطاعات التي كان تواجد الاتحادات العمالية فيها ضعيفا، و ليس لاستبدال العمال بأجهزة كمبيوتر".
قد تفشل نظرية التفاوت التكنولوجي، إلا أنها تؤدي وظيفة: بأنها تعفي النخبة من مسؤولية الفجوة المتزايدة بين الأغنياء والفقراء. كما أنها تجعل من الرأسمالية كما لو إنها تمتلك الجدارة: إن التكنولوجيا، عبر أتمتة المهام الروتينية، قد زادت ثراء استثنائيين قليلين الذين هم أذكياء بما يكفي لأداء المهام المعقدة جداً أو الإبداعية للأتمتة، بينما ساهمت في إفقار البقية.
والسؤال الذي لم يتم طرحه بشكل صريح: هل إن يوتوبيا المستقبل المتصور هو المكان الذي نريد فعلا العيش فيه؟
لمعظمنا، أظن أن الجواب هو لا. حتى لو تم إلغاء كل أنواع العمل و إستخدم التشغيل الآلي للمكاتب، من روبوتات لتربية أطفالنا، و زراعة المحاصيل، و تنظيف الأسنان، سيكون هناك قرارات سياسية يجب أن تتخذ حول ما هو نوع المجتمع الذي نريده. في عالم يتصوره نخبة تك "يو بي أي"، إن هذه القرارات ستتخذ حتما من الناس الذين يملكون الروبوتات – وبعبارة أخرى، هم من سيتخذ تلك القرارات. في أحسن الأحوال، وهذا ما قد يشبه ديكتاتورية الخيرين، حيث إن فئة صغيرة من "صانعي الثروة" تصنع الآلات وتحافظ عليها، و التي تجعل من الممكن للجميع أن يعيشوا حياة بدون عمل. أنهم سوف يعطونا بدل عيش، ويحتفظوا بالبقية لأنفسهم.
إذا كنت تعتقد بأن الثروة أساسا هي نتاج خاص، ينتجها الأفراد، فإن ترتيب من هذا القبيل قد يبدو عادلاً. ولكن في الاقتصاد الحديث، يتم إنتاج الثروة من قبل المجتمع ككل-وتتجلى هذه الحقيقة بوضوح أكبر في صناعة التكنولوجيا. منذ أن مول الجيش الأمريكي وادي السيليكون و ساعده على الظهور الى حيز الوجود بعد الحرب العالمية الثانية، فقد تمت تغذية صناعة التكنولوجيا، و في دفق مستمر، من المنافع العامة. تلك البضائع قد تكون بحوث الحكومة، مزروعة في اختراعات مربحة، أو محتويات بريدك الوارد على الجي ميل والفيس بوك، مزروعة في إيرادات الإعلانات. ما هو مهم أنها مجاناً، وأنها مجاناً لأننا تخلينا عنها. إذا وصلت الروبوتات في أي وقت، سوف يكون وصولها هو نتيجة ضرائبنا التي دفعناها، واهتمامنا، و بياناتنا.
وفي ظل هذه الظروف، سيكون "الدخل الأساسي" هو الفتات الذي تركه الشقي الذي سرق أكلك. الأفضل الحفاظ على أكلنا لأنفسنا. الأفضل هو امتلاك الروبوتات بشكل جماعي، وتخصيص الفائض ديمقراطيا، بدلا من ترك ثروة المجتمع بأيدي أعضائها المحظوظين.
ــــــــــــــــــــــــ
*(بن تارنوف – الانديبندت البريطانية)