المنبرالحر

تجاوز النفط عتبة الـ 50 دولاراً .. الاسباب والدوافع / عادل عبد الزهرة شبيب

ارتفعت أسعار النفط الاثنين السادس من حزيران 2016 لتتجاوز عتبة الخمسين دولارا ليصل خام برنت الى 50,10 دولار مرتفعاً بنحو 46 سنتا عن آخر تسوية وليسجل أعلى مستوى في ستة أشهر. فما الذي سبب هذا الارتفاع ؟
أشارت صحيفة الفايننشال تايمز البريطانية الى أن ذلك يعود الى ما وصفته بـ ((خيبة الامل )) ومخاوف نمو الاقتصاد في الولايات المتحدة وواقع العمل والوظائف فيها والتي أثارت المخاوف بشأن قوة نمو أكبر اقتصاد في العالم،الامر الذي أضعف الميل الى العملة الامريكية وجعل النفط والسلع الاخرى المعتمدة على الدولار أرخص بالنسبة للمتعاملين بالعملات الاخرى. ومن ناحية اخرى توقعت الحكومة الامريكية تراجع انتاج البلاد من النفط الصخري مع تصاعد الضغوط على الشركات المنتجة من جراء انهيار اسعا ر الخام.
وتوقعت ادارة معلومات الطاقة الامريكية انخفاض الانتاج بمقدار 113 ألف برميل يومياً. كما كان هناك تراجع المخزونات النفطية الامريكية وتحسن مؤشرات الطلب في الصين. اضافة الى ذلك فان ارتفاع أسعار النفط جاء نتيجة لهبوط حاد في الدولار وبنسبة 1,5 في المئة مقابل سلة من العملات الرئيسة الاخرى, وينظر الى هبوط الدولار على أنه يدعم زيادة الطلب في باقي انحاء العالم لأنه يجعل واردات النفط التي يتم التعامل بشأنها بالدولار أرخص.
كذلك يدعم تدهور الوضع في فنزويلا ارتفاع أسعار النفط, فبعد عام واحد من رحيل الزعيم الفنزويلي هوغو شافيز عام 2013،حتى برز حجم الازمة الاقتصادية التي تعانيها البلاد وعلى كافة الصعد في ظل انخفاض أسعار النفط وخسارتها الكبيرة نتيجة ذلك خاصة وانها تعتمد على النفط لتأمين 96في المئة من ايرادات العملة الصعبة. فأزمتها الاقتصادية والصراع السياسي فيها قد أثرا على صناعة النفط وهي من الدول النفطية المهمة في امريكا اللاتينية وكانت أوضاعها أحد الاسباب في قلة المعروض النفطي في الاسواق العالمية.
وجاء ارتفاع أسعار النفط أيضا بسبب تراجع انتاج نيجيريا من خام بوني الخفيف بما يقدر بنحو 170 ألف برميل يوميا جراء الهجمات على بنية خطوط الانابيب. واجمالي انتاج البلد الذي كان يوما أكبر منتج في افريقيا للخام قد انخفض أكثر من 500 ألف برميل يومياً. وتشير التقارير الى أنه لا يوجد ما يشير الى أن وضع نيجيريا يتحسن في الوقت الحالي،بل يبدو أنه يزداد سوءاً حيث تراجع انتاجها 40 في المئة ليسجل أدنى مستوى في 22 عاماً.
وتعزز النفط أيضاً نتيجة تراجع امدادات الخام الكندي بعد اندلاع الحرائق في منطقة الرمال النفطية في البرتا وارتفاع تكاليف الانتاج، فمع انهيار أسعار النفط الخام، قررت شركات الطاقة ايقاف او الغاء المشاريع الجديدة بقيمة مليارات الدولارات مما سبب فقدان آلاف العاملين وظائفهم, وتحتاج المشاريع الجديدة في مجال الرمال النفطية في كندا الى أن يكون متوسط سعر خام برنت أكثر من 100 دولار للبرميل حتى تحقق نقطة التعادل بين التكاليف والايرادات. وكانت كندا مساهما حاسما في تخمة الانتاج التي ادت الى تخفيض أسعار النفط الى النصف،فحقولها ورمالها النفطية أضافت نحو خمس النمو في صافي العرض في أمريكا الشمالية خلال الاعوام الخمسة الماضية أو 1.1 مليون برميل يومياً. صناعة النفط في كندا تواجه اليوم مشكلة ارتفاع تكاليف انتاج النفط المستخرج من الرمال مما سبب تعسر الامدادات النفطية الكندية للسوق العالمية وتقلص المعروض الكندي نحو 2.5 مليون برميل.
كما أن عدم الاستقرار السياسي في ليبيا واستهداف منشآتها النفطية كان في مصلحة دعم أسعار النفط عالميا. وكذا الحال في العراق واحتلال داعش ثلث اراضيه حرمته من انتاج وتصدير النفط منها.
أما بالنسبة الى منظمة أوبك فان اجتماعها الاخير قد فشل في التوافق على استراتيجية واضحة للإنتاج ولم يتفق خلاله الاعضاء على سقف للإنتاج، ورغم فشل الاجتماع الا انه ينظر اليه على أنه كان ايجابيا نظرا لتعهد السعودية (وهي الدولة الاكثر تسببا في تخمة العرض) بعدم اغراق السوق بمزيد من الخام وعدم التسبب فيس صدمة للسوق بأي شكل. فهل تلتزم بوعودها ؟. ونتيجة لذلك تماسك سعر خام القياس العالمي مزيج برنت في العقود الآجلة فوق الـ 50 دولارا للبرميل.
وبهذا الصدد ينبغي على منظمة أوبك أن ترسل رسالة واضحة إلى السوق النفطية وهي انها مازالت قوية ومؤثرة في السوق وقادرة على احتواء أية خلافات بين أعضائها وانها ستبقى موحدة تحقق قدرة السوق على التعافي تلقائيا وفق تفاعلات العرض والطلب.
ان تقلبات أسعار النفط في السوق العالمية وتأثير انخفاضها على اقتصاديات البلدان المنتجة ذات الاقتصاد الريعي الوحيد الجانب ومنها العراق، ينبغي ان يكون درسا بليغا وضرورة الاخذ بالاقتصاد المتنوع وعدم الاعتماد على النفط الخام كمورد أوحد للاقتصاد القومي وأن تكون هذه الخطة ليست تفاعلا وقتيا مع الازمة بل هي استراتيجية عمل مستقبلية جيدة وستحصد نتائجها المتميزة الاجيال القادمة.
وقد تكون هذه العوامل في رفع أسعار النفط مؤقته ولكن يبقى استقرار السوق النفطي مرهون بتوازن حقيقي ومستقر بين العرض والطلب.